1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. القول في تأويل قوله تعالى "إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين "
صفحة جزء
[ ص: 173 ] القول في تأويل قوله ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ( 125 ) ( 124 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، إذ تقول للمؤمنين بك من أصحابك : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ؟ وذلك يوم بدر .

ثم اختلف أهل التأويل في حضور الملائكة يوم بدر حربهم ، في أي يوم وعدوا ذلك ؟

فقال بعضهم : إن الله عز وجل كان وعد المؤمنين يوم بدر أن يمدهم بملائكته ، إن أتاهم العدو من فورهم ، فلم يأتوهم ، ولم يمدوا .

ذكر من قال ذلك :

7743 - حدثني حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن عامر قال : حدث المسلمون أن كرز بن جابر المحاربي يمد المشركين ، قال : فشق ذلك على المسلمين ، فقيل لهم : "ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، قال : فبلغت كرزا الهزيمة ، فرجع ، ولم يمدهم بالخمسة . [ ص: 174 ]

7744 - حدثني ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عامر قال : لما كان يوم بدر بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : " ويأتوكم من فورهم هذا " - يعني كرزا وأصحابه - "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، قال : فبلغ كرزا وأصحابه الهزيمة ، فلم يمدهم ، ولم تنزل الخمسة ، وأمدوا بعد ذلك بألف ، فهم أربعة آلاف من الملائكة مع المسلمين .

7745 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد عن الحسن في قوله : " إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة " ، الآية كلها ، قال : هذا يوم بدر .

7746 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي قال : حدث المسلمون أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين ببدر ، قال : فشق ذلك على المسلمين; فأنزل الله عز وجل ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم " إلى قوله : " من الملائكة مسومين " ، قال : فبلغته هزيمة المشركين ، فلم يمد أصحابه ، ولم يمدوا بالخمسة .

وقال آخرون : كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر ، فصبر المؤمنون واتقوا الله ، فأمدهم بملائكته على ما وعدهم .

ذكر من قال ذلك :

7747 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعد ما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم ببدر الآن [ ص: 175 ] ومعي بصري ، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك ولا أتمارى .

7748 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال ابن إسحاق ، وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض بني ساعدة ، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة ، وكان شهد بدرا : أنه قال بعد إذ ذهب بصره : لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري ، لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك ولا أتمارى .

7749 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر : أنه حدث عن ابن عباس : أن ابن عباس قال : حدثني رجل من بني غفار قال : أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، ونحن مشركان ، ننتظر الوقعة ، على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب . قال : فبينا نحن في الجبل ، إذ دنت منا سحابة ، فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلا يقول : أقدم حيزوم . قال : فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت .

7750 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : وحدثني الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن عباس قال : لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون .

7751 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال محمد بن إسحاق ، [ ص: 176 ] حدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن رجال من بني مازن بن النجار ، عن أبي داود المازني ، وكان شهد بدرا قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أن قد قتله غيري .

7752 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال محمد : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمت . وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم ، وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه . وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة . وكذلك صنعوا ، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا . فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا . قال : وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس فيها أنحت القداح ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري . فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم! قال : قال أبو لهب : هلم إلي يا ابن أخي ، فعندك الخبر! قال : فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخي أخبرني ، كيف كان أمر الناس ؟ قال : لا شيء والله ، إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا! وايم الله ، [ ص: 177 ] مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ما بين السماء والأرض ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شيء . قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت : تلك الملائكة!

7753 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد قال : حدثني الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة ، وكان أبو اليسر رجلا مجموعا ، وكان العباس رجلا جسيما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر : "كيف أسرت العباس أبا اليسر ؟ ! قال : يا رسول الله ، لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، هيئته كذا وكذا! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لقد أعانك عليه ملك كريم " .

7754 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين " ، أمدوا بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، [ ص: 178 ] وذلك يوم بدر ، أمدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة .

7755 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .

7756 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : " يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، فإنهم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم مسومين .

7757 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا سفيان ، عن ابن خثيم ، عن مجاهد قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر .

وقال آخرون : إن الله عز وجل : إنما وعدهم يوم بدر أن يمدهم إن صبروا عند طاعته وجهاد أعدائه ، واتقوه باجتناب محارمه ، أن يمدهم في حروبهم كلها ، فلم يصبروا ولم يتقوا إلا في يوم الأحزاب ، فأمدهم حين حاصروا قريظة .

ذكر من قال ذلك :

7758 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا سليمان بن زيد أبو إدام المحاربي ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كنا محاصري قريظة والنضير ما شاء الله أن نحاصرهم ، فلم يفتح علينا ، فرجعنا ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فهو يغسل رأسه ، إذ جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرقة ، فلف بها رأسه ولم يغسله ، ثم نادى فينا فقمنا [ ص: 179 ] كالين معيين لا نعبأ بالسير شيئا ، حتى أتينا قريظة والنضير ، فيومئذ أمدنا الله عز وجل بثلاثة آلاف من الملائكة ، وفتح الله لنا فتحا يسيرا ، فانقلبنا بنعمة من الله وفضل .

وقال آخرون بنحو هذا المعنى ، غير أنهم قالوا : لم يصبر القوم ولم يتقوا ولم يمدوا بشيء في أحد .

ذكر من قال ذلك :

7759 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، سمعه يقول : " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا " ، قال : يوم بدر . قال : فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد ، ولو مدوا لم يهزموا يومئذ . [ ص: 180 ]

7760 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : سمعت عكرمة يقول : لم يمدوا يوم أحد ولا بملك واحد أو قال : إلا بملك واحد ، أبو جعفر يشك .

7761 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : سمعت عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف " إلى "خمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، كان هذا موعدا من الله يوم أحد عرضه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أن المؤمنين إن اتقوا وصبروا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين; ففر المسلمون يوم أحد وولوا مدبرين ، فلم يمدهم الله .

7762 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا " الآية كلها . قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم ينظرون المشركين : يا رسول الله ، أليس يمدنا الله كما أمدنا يوم بدر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين " ، وإنما أمدكم يوم بدر بألف ؟ " قال : فجاءت الزيادة من الله على أن يصبروا ويتقوا ، قال : بشرط أن يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم . الآية كلها .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة ؟ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددا لهم ، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف ، خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله . ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة آلاف ، ولا بالخمسة آلاف ، ولا على أنهم لم يمدوا بهم .

وقد يجوز أن يكون الله عز وجل أمدهم ، على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم وقد يجوز أن يكون لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك . ولا خبر [ ص: 181 ] عندنا صح من الوجه الذي يثبت أنهم أمدوا بالثلاثة الآلاف ولا بالخمسة الآلاف . وغير جائز أن يقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم الحجة به . ولا خبر به كذلك ، فنسلم لأحد الفريقين قوله . غير أن في القرآن دلالة على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة ، وذلك قوله : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) [ سورة الأنفال : 9 ] فأما في يوم أحد ، فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها في أنهم أمدوا . وذلك أنهم لو أمدوا لم يهزموا ، وينال منهم ما نيل منهم . فالصواب فيه من القول أن يقال كما قال تعالى ذكره .

وقد بينا معنى "الإمداد " فيما مضى ، "والمدد " ، ومعنى "الصبر " و "التقوى . "

وأما قوله : "ويأتوكم من فورهم هذا " ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه .

فقال بعضهم : معنى قوله : "من فورهم هذا " ، من وجههم هذا .

ذكر من قال ذلك :

7763 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن عثمان بن غياث ، عن عكرمة قال : " ويأتوكم من فورهم هذا " ، قال : من وجههم هذا .

7764 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " من فورهم هذا " ، يقول : من وجههم هذا .

7765 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

7766 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا " ، من وجههم هذا . [ ص: 182 ]

7767 - حدثت عن عمار بن الحسن ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا " ، يقول : من وجههم هذا .

7768 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا " يقول : من وجههم هذا .

7779 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا " ، يقول : من سفرهم هذا ويقال - يعني عن غير ابن عباس - بل هو من غضبهم هذا .

7770 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "من فورهم هذا " ، من وجههم هذا .

وقال آخرون : معنى ذلك : من غضبهم هذا .

ذكر من قال ذلك :

7771 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عكرمة في قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة " ، قال : "فورهم ذلك " ، كان يوم أحد ، غضبوا ليوم بدر مما لقوا .

7772 - حدثني محمد بن عمارة قال : حدثنا سهل بن عامر قال : حدثنا مالك بن مغول قال : سمعت أبا صالح مولى أم هانئ يقول : " من فورهم هذا " ، يقول : من غضبهم هذا .

7773 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا " ، قال : غضب لهم ، يعني الكفار ، فلم يقاتلوهم عند تلك الساعة ، وذلك يوم أحد .

7774 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : " من فورهم هذا " ، قال : من غضبهم هذا . [ ص: 183 ]

7775 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك ، في قوله : " ويأتوكم من فورهم هذا " ، يقول : من وجههم وغضبهم .

قال أبو جعفر : وأصل "الفور " ، ابتداء الأمر يؤخذ فيه ، ثم يوصل بآخر ، يقال منه : "فارت القدر فهي تفور فورا وفورانا " إذا ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل . و "مضيت إلى فلان من فوري ذلك " ، يراد به : من وجهي الذي ابتدأت فيه .

فالذي قال في هذه الآية : معنى قوله : "من فورهم هذا " ، من "وجههم هذا " قصد إلى أن تأويله : ويأتيكم كرز بن جابر وأصحابه يوم بدر من ابتداء مخرجهم الذي خرجوا منه لنصرة أصحابهم من المشركين .

وأما الذين قالوا : معنى ذلك : من غضبهم هذا فإنما عنوا أن تأويل ذلك : ويأتيكم كفار قريش وتباعهم يوم أحد من ابتداء غضبهم الذي غضبوه لقتلاهم الذين قتلوا يوم بدر بها ، يمددكم ربكم بخمسة آلاف .

ولذلك من اختلاف تأويلهم في معنى قوله : "ويأتوكم من فورهم هذا " ، اختلف أهل التأويل في إمداد الله المؤمنين بأحد بملائكته .

فقال بعضهم : لم يمدوا بهم ، لأن المؤمنين لم يصبروا لأعدائهم ولم يتقوا الله عز وجل ، بترك من ترك من الرماة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوته في الموضع الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبوت فيه ، ولكنهم أخلوا به [ ص: 184 ] طلب الغنائم ، فقتل من قتل من المسلمين ونال المشركون منهم ما نالوا ، وإنما كان الله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم إمدادهم بهم إن صبروا واتقوا الله .

وأما الذين قالوا : كان ذلك يوم بدر بسبب كرز بن جابر ، فإن بعضهم قالوا : لم يأت كرز وأصحابه إخوانهم من المشركين مددا لهم ببدر ، ولم يمد الله المؤمنين بملائكته ، لأن الله عز وجل إنما وعدهم أن يمدهم بملائكته إن أتاهم كرز ومدد المشركين من فورهم ، ولم يأتهم المدد .

وأما الذين قالوا : إن الله تعالى ذكره أمد المسلمين بالملائكة يوم بدر ، فإنهم اعتلوا بقول الله عز وجل : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) [ سورة الأنفال : 9 ] ، قال : فالألف منهم قد أتاهم مددا . وإنما الوعد الذي كانت فيه الشروط ، فما زاد على الألف ، فأما الألف فقد كانوا أمدوا به ، لأن الله عز وجل كان قد وعدهم ذلك ، ولن يخلف الله وعده .

قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : "مسومين " .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة : ( مسومين ) بفتح "الواو " ، بمعنى أن الله سومها .

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل الكوفة والبصرة : ( مسومين ) بكسر "الواو " ، بمعنى أن الملائكة سومت لنفسها . [ ص: 185 ]

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر "الواو " ، لتظاهر الأخبار عن [ أصحاب ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل التأويل منهم ومن التابعين بعدهم بأن الملائكة هي التي سومت أنفسها ، من غير إضافة تسويمها إلى الله عز وجل ، أو إلى غيره من خلقه .

ولا معنى لقول من قال : إنما كان يختار الكسر في قوله : "مسومين " ، لو كان في البشر ، فأما الملائكة فوصفهم غير ذلك ظنا منه بأن الملائكة غير ممكن فيها تسويم أنفسها إمكان ذلك في البشر . وذلك أنه غير مستحيل أن يكون الله عز وجل مكنها من تسويم أنفسها نحو تمكينه البشر من تسويم أنفسهم ، فسوموا أنفسهم نحو الذي سوم البشر ، طلبا منها بذلك طاعة ربها ، فأضيف تسويمها أنفسها إليها . وإن كان ذلك عن تسبيب الله لهم أسبابه . وهي إذا كانت موصوفة بتسويمها أنفسها تقربا منها إلى ربها ، كان أبلغ في مدحها لاختيارها طاعة الله من أن تكون موصوفة بأن ذلك مفعول بها .

ذكر الأخبار بما ذكرنا : من إضافة من أضاف التسويم إلى الملائكة ، دون إضافة ذلك إلى غيرهم ، على نحو ما قلنا فيه : [ ص: 186 ]

7776 - حدثني يعقوب قال : أخبرنا ابن علية قال : أخبرنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : إن أول ما كان الصوف ليومئذ يعني يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسوموا ، فإن الملائكة قد تسومت .

7777 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مختار بن غسان قال : حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، عن الزبير بن المنذر ، عن جده أبي أسيد - وكان بدريا - فكان يقول : لو أن بصري فرج منه ، ثم ذهبتم معي إلى أحد ، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر قد طرحوها بين أكتافهم . [ ص: 187 ]

7778 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، يقول : معلمين ، مجزوزة أذناب خيلهم ، ونواصيها - فيها الصوف أو العهن ، وذلك التسويم .

7779 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، قال : مجزوزة أذنابها ، وأعرافها فيها الصوف أو العهن ، فذلك التسويم .

7780 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " مسومين " ، ذكر لنا أن سيماهم يومئذ ، الصوف بنواصي خيلهم وأذنابها ، وأنهم على خيل بلق .

7781 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " مسومين " ، قال : كان سيماها صوفا في نواصيها .

7782 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن ليث ، عن مجاهد ، أنه كان يقول : " مسومين " ، قال : كانت خيولهم مجزوزة الأعراف ، معلمة نواصيها وأذنابها بالصوف والعهن .

7783 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : كانوا يومئذ على خيل بلق .

7784 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا [ ص: 188 ] جويبر ، عن الضحاك وبعض أشياخنا ، عن الحسن ، نحو حديث معمر ، عن قتادة .

7785 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "مسومين " ، معلمين .

7786 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ، فإنهم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، مسومين بالصوف ، فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف .

7787 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عباد بن حمزة قال : نزلت الملائكة في سيما الزبير ، عليهم عمائم صفر . وكانت عمامة الزبير صفراء .

7788 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " مسومين " ، قال : بالصوف في نواصيها وأذنابها .

7789 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة قال : نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق ، عليهم عمائم صفر . وكان على الزبير يومئذ عمامة صفراء .

7790 - حدثني أحمد بن يحيى الصوفي قال : حدثنا عبد الرحمن بن شريك قال : حدثنا أبي قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عبد الله بن الزبير : أن الزبير كانت عليه ملاءة صفراء يوم بدر ، فاعتم بها ، فنزلت الملائكة يوم بدر على نبي الله صلى الله عليه وسلم معممين بعمائم صفر . [ ص: 189 ]

قال أبو جعفر : فهذه الأخبار التي ذكرنا بعضها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه : " تسوموا فإن الملائكة قد تسومت " وقول أبي أسيد : " خرجت الملائكة في عمائم صفر قد طرحوها بين أكتافهم " ، وقول من قال منهم : " مسومين " معلمين ينبئ جميع ذلك عن صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك ، وأن التسويم كان من الملائكة بأنفسها ، على نحو ما قلنا في ذلك فيما مضى .

وأما الذين قرأوا ذلك : "مسومين " ، بالفتح ، فإنهم أراهم تأولوا في ذلك ما :

7791 - حدثنا به حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن عثمان بن غياث ، عن عكرمة : ( بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) ، يقول : عليهم سيما القتال .

7792 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) ، يقول : عليهم سيما القتال ، وذلك يوم بدر ، أمدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، يقول : عليهم سيما القتال .

فقالوا : كان سيما القتال عليهم ، لا أنهم كانوا تسوموا بسيما فيضاف إليهم التسويم ، فمن أجل ذلك قرأوا : "مسومين " ، بمعنى أن الله تعالى أضاف التسويم إلى من سومهم تلك السيما .

و"السيما " العلامة يقال : "هي سيما حسنة ، وسيمياء حسنة " ، كما قال الشاعر :


غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياء لا تشق على البصر

[ ص: 190 ]

يعني بذلك : علامة من حسن ، فإذا أعلم الرجل بعلامة يعرف بها في حرب أو غيره قيل : "سوم نفسه فهو يسومها تسويما " .

التالي السابق


الخدمات العلمية