1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. القول في تأويل قوله تعالى"إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ( 155 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين ولوا عن المشركين ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانهزموا عنهم .

وقوله : "تولوا" ، "تفعلوا" ، من قولهم : "ولى فلان ظهره" .

[ ص: 327 ]

وقوله : " يوم التقى الجمعان " ، يعني : يوم التقى جمع المشركين والمسلمين بأحد "إنما استزلهم الشيطان" ، أي : إنما دعاهم إلى الزلة الشيطان .

وقوله"استزل""استفعل" من"الزلة" . و"الزلة" ، هي الخطيئة .

"ببعض ما كسبوا" ، يعني ببعض ما عملوا من الذنوب . "ولقد عفا الله عنهم" ، يقول : ولقد تجاوز الله عن عقوبة ذنوبهم فصفح لهم عنه" إن الله غفور " ، يعني به : مغط على ذنوب من آمن به واتبع رسوله ، بعفوه عن عقوبته إياهم عليها"حليم" ، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة .

ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين عنوا بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها كل من ولى الدبر عن المشركين بأحد .

ذكر من قال ذلك :

8098 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ"آل عمران" ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس يقولون : "قتل محمد "! فقلت : لا أجد أحدا يقول : "قتل محمد " ، إلا قتلته! . حتى اجتمعنا على الجبل ، فنزلت : [ ص: 328 ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية كلها .

8099 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، وذلك يوم أحد ، ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون : أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم .

8100 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، فذكر نحو قول قتادة .

وقال آخرون : بل عني بذلك خاص ممن ولى الدبر يومئذ ، قالوا : وإنما عنى به الذين لحقوا بالمدينة منهم دون غيرهم .

ذكر من قال ذلك :

8101 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما انهزموا يومئذ تفرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 329 ] أصحابه ، فدخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، فذكر الله عز وجل الذين انهزموا فدخلوا المدينة فقال : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية .

وقال آخرون : بل نزل ذلك في رجال بأعيانهم معروفين .

ذكر من قال ذلك :

8102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ورجل آخر قال ابن جريج : وقوله : " إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " ، إذ لم يعاقبهم .

8103 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فر عثمان بن عفان ، وعقبة بن عثمان ، وسعد بن عثمان - رجلان من الأنصار - حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص - فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة !!

8104 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " الآية ، [ ص: 330 ] والذين استزلهم الشيطان : عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، الأنصاريان ، ثم الزرقيان .

وأما قوله : "ولقد عفا الله عنهم" ، فإن معناه : ولقد تجاوز الله عن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ، أن يعاقبهم بتوليهم عن عدوهم . كما : -

8105 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قوله : " ولقد عفا الله عنهم " ، يقول : "ولقد عفا الله عنهم" ، إذ لم يعاقبهم .

8106 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله في توليهم يوم أحد : " ولقد عفا الله عنهم " ، فلا أدري أذلك العفو عن تلك العصابة ، أم عفو عن المسلمين كلهم؟ .

وقد بينا تأويل قوله : "إن الله غفور حليم" ، فيما مضى .

التالي السابق


الخدمات العلمية