1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. القول في تأويل قوله تعالى"يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاء به محمد من عند الله ، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله ، فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال لإخوانه من أهل الكفر" إذا ضربوا في الأرض " [ ص: 331 ] فخرجوا من بلادهم سفرا في تجارة"أو كانوا غزى" ، يقول : أو كان خروجهم من بلادهم غزاة فهلكوا فماتوا في سفرهم ، أو قتلوا في غزوهم" لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " ، يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفار أنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل ، أو مات في سفر خرج فيه في طاعة الله ، أو تجارة : لو لم يكونوا خرجوا من عندنا ، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا" ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، يعني : أنهم يقولون ذلك ، كي يجعل الله قولهم ذلك حزنا في قلوبهم وغما ، ويجهلون أن ذلك إلى الله جل ثناؤه وبيده .

وقد قيل : إن الذين نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتشبهوا بهم فيما نهاهم عنه من سوء اليقين بالله ، هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه .

ذكر من قال ذلك :

8107 - حدثني محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ياأيها الذين آمنو لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، قال : هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي .

8108 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، قول المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول .

8109 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون في ذلك : هم جميع المنافقين .

ذكر من قال ذلك :

8110 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " [ ص: 332 ] يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، أي : لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله ، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا : لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا .

وأما قوله : "إذا ضربوا في الأرض" ، فإنه اختلف في تأويله . فقال بعضهم : هو السفر في التجارة ، والسير في الأرض لطلب المعيشة .

ذكر من قال ذلك :

8111 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إذا ضربوا في الأرض " ، وهي التجارة .

وقال آخرون : بل هو السير في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

8112 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذا ضربوا في الأرض " ، الضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله .

وأصل"الضرب في الأرض" ، الإبعاد فيها سيرا .

وأما قوله : "أو كانوا غزى" ، فإنه يعني : أو كانوا غزاة في سبيل الله .

و"الغزى" جمع"غاز" ، جمع على"فعل" كما يجمع"شاهد""شهد" ، و"قائل""قول" ، . وقد ينشد بيت رؤبة :

[ ص: 333 ]

فاليوم قد نهنهني تنهنهي وأول حلم ليس بالمسفه     وقول : إلا ده فلا ده

وينشد أيضا :


وقولهم : إلا ده فلا ده



وإنما قيل : " لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، فأصحب ماضي الفعل ، الحرف الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل ، فقيل : " وقالوا لإخوانهم " ، ثم قيل : " إذا ضربوا" ، وإنما يقال في الكلام : "أكرمتك إذ زرتني" ، ولا يقال : "أكرمتك إذا زرتني" . لأن"القول" الذي في قوله : "وقالوا لإخوانهم" ، وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى [ ص: 334 ] المستقبل . وذلك أن العرب تذهب ب"الذين" مذهب الجزاء ، وتعاملها في ذلك معاملة"من" و"ما" ، لتقارب معاني ذلك في كثير من الأشياء ، وإن جميعهن أشياء مجهولات غير موقتات توقيت"عمرو" و"زيد" . .

فلما كان ذلك كذلك وكان صحيحا في الكلام فصيحا أن يقال للرجل : "أكرم من أكرمك""وأكرم كل رجل أكرمك" ، فيكون الكلام خارجا بلفظ الماضي مع"من" ، و"كل" ، مجهولين ومعناه الاستقبال ، إذ كان الموصوف بالفعل غير مؤقت ، وكان"الذين" في قوله : "لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض" ، غير موقتين ، أجريت مجرى"من" و"ما" في ترجمتها التي تذهب مذهب الجزاء ، وإخراج صلاتها بألفاظ الماضي من الأفعال وهي بمعنى الاستقبال ، كما قال الشاعر في"ما" :


وإني لآتيكم تشكر ما مضى     من الأمر واستيجاب ما كان في غد



فقال : "ما كان في غد" ، وهو يريد : ما يكون في غد . ولو كان أراد الماضي لقال : "ما كان في أمس" ، ولم يجز له أن يقول : "ما كان في غد" .

ولو كان"الذي" موقتا ، لم يجز أن يقال ذلك . خطأ أن يقال : "لتكرمن [ ص: 335 ] هذا الذي أكرمك إذا زرته" ، لأن"الذي" هاهنا موقت ، فقد خرج من معنى الجزاء ، ولو لم يكن في الكلام"هذا" ، لكان جائزا فصيحا ، لأن"الذي" يصير حينئذ مجهولا غير موقت . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) [ سورة الحج : 25 ] فرد"يصدون" على"كفروا" ، لأن"الذين" غير موقتة . فقوله : "كفروا" ، وإن كان في لفظ ماض ، فمعناه الاستقبال ، وكذلك قوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ) [ سورة مريم : 60 ] وقوله : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) [ سورة المائدة : 34 ] ، معناه : إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم وإلا من يتوب ويؤمن . ونظائر ذلك في القرآن والكلام كثير ، والعلة في كل ذلك واحدة . .

وأما قوله : "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" ، فإنه يعني بذلك : حزنا في قلوبهم ، كما : -

8113 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "في قلوبهم" ، قال : يحزنهم قولهم ، لا ينفعهم شيئا .

8114 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8115 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، لقلة اليقين بربهم جل ثناؤه .

التالي السابق


الخدمات العلمية