صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 170 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من جهاد أعداء الله مع رسوله ، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه ، فهم لذلك مستبشرون بهم ، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك [ ص: 396 ] " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، يعني بذلك : لا خوف عليهم ، لأنهم قد أمنوا عقاب الله ، وأيقنوا برضاه عنهم ، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من أسباب الدنيا ونكد عيشها ، للخفض الذي صاروا إليه والدعة والزلفة . .

ونصب"أن لا" بمعنى : يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8226 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " الآية ، يقول : لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم ، لما قدموا عليه من الكرامة والفضل والنعيم الذي أعطاهم .

8227 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " الآية ، قال : يقولون : إخواننا يقتلون كما قتلنا ، يلحقونا فيصيبون من كرامة الله تعالى ما أصبنا .

8228 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ذكر لنا عن بعضهم في قوله : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " ، قال : هم قتلى بدر وأحد ، زعموا أن الله تبارك وتعالى لما قبض أرواحهم وأدخلهم الجنة ، جعلت أرواحهم في طير خضر ترعى في [ ص: 397 ] الجنة ، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش . فلما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة ، قالوا : ليت إخواننا الذين بعدنا يعلمون ما نحن فيه! فإذا شهدوا قتالا تعجلوا إلى ما نحن فيه! فقال الله تعالى : إني منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بالذي أنتم فيه . ففرحوا به واستبشروا ، وقالوا : يخبر الله نبيكم وإخوانكم بالذي أنتم فيه ، فإذا شهدوا قتالا أتوكم! قال : فذلك قوله : "فرحين بما آتاهم الله من فضله" إلى قوله : " أجر المؤمنين " .

8229 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " ، أي : ويسرون بلحوق من لحق بهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم ، وأذهب الله عنهم الخوف والحزن . .

8230 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " ، قال : هم إخوانهم من الشهداء ممن يستشهد من بعدهم"لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" حتى بلغ : "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" .

8231 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما" ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " ، فإن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله ، فيقال : "يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ، ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا" ، فيستبشر حين يقدم عليه ، كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية