صفحة جزء
[ ص: 416 ] القول في تأويل قوله ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : إنما الذي قال لكم ، أيها المؤمنون : "إن الناس قد جمعوا لكم" ، فخوفوكم بجموع عدوكم ومسيرهم إليكم ، من فعل الشيطان ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم ، يخوفكم بأوليائه من المشركين - أبي سفيان وأصحابه من قريش - لترهبوهم ، وتجبنوا عنهم ، كما : -

8256 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، يخوف والله المؤمن بالكافر ، ويرهب المؤمن بالكافر .

8257 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، قال : يخوف المؤمنين بالكفار .

8258 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، يقول : الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه .

8259 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، أي : أولئك الرهط ، يعني النفر من عبد القيس ، الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا ، وما ألقى الشيطان على أفواههم"يخوف أولياءه" ، أي : يرهبكم بأوليائه .

8260 - حدثني يونس قال : أخبرنا علي بن معبد ، عن عتاب بن بشير مولى قريش ، عن سالم الأفطس في قوله : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، قال : يخوفكم بأوليائه .

[ ص: 417 ]

وقال آخرون : معنى ذلك ، إنما ذلكم الشيطان يعظم أمر المشركين ، أيها المنافقون ، في أنفسكم فتخافونه .

ذكر من قال ذلك :

8261 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ذكر أمر المشركين وعظمهم في أعين المنافقين فقال : " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " ، يعظم أولياءه في صدوركم فتخافونه .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : "يخوف أولياءه"؟ وهل يخوف الشيطان أولياءه؟ [ وكيف ] قيل إن كان معناه يخوفكم بأوليائه"يخوف أولياءه"؟ قيل : ذلك نظير قوله : ( لينذر بأسا شديدا ) [ سورة الكهف : 2 ] بمعنى : لينذركم بأسه الشديد ، وذلك أن البأس لا ينذر ، وإنما ينذر به .

وقد كان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : معنى ذلك : يخوف الناس أولياءه ، كقول القائل : "هو يعطي الدراهم ، ويكسو الثياب" ، بمعنى : هو يعطي الناس الدراهم ويكسوهم الثياب ، فحذف ذلك للاستغناء عنه .

قال أبو جعفر : وليس الذي شبه [ من ] ذلك بمشتبه ، لأن"الدراهم" في قول القائل : "هو يعطي الدراهم" ، معلوم أن المعطى هي"الدراهم" ، وليس كذلك"الأولياء" - في قوله : "يخوف أولياءه" - مخوفين ، بل التخويف من الأولياء لغيرهم ، فلذلك افترقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية