[ ص: 421 ] القول في تأويل قوله ( 
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين  ( 178 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بذلك تعالى ذكره : ولا يظنن الذين كفروا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، أن إملاءنا لهم خير لأنفسهم . 
ويعني ب" الإملاء " ، الإطالة في العمر ، والإنساء في الأجل ، ومنه قوله جل ثناؤه : ( 
واهجرني مليا  ) [ سورة مريم : 46 ] أي : حينا طويلا ومنه قيل : "عشت طويلا وتمليت حبيبا" . "والملا" نفسه الدهر ، "والملوان" ، الليل والنهار ، ومنه قول تميم بن مقبل : 
ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلى الملوان 
 [ ص: 422 ] 
يعني : ب"الملوان" ، الليل والنهار . 
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله : " 
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم  " . 
فقرأ ذلك جماعة منهم : ( ولا يحسبن ) بالياء ، وبفتح"الألف" من قوله : "أنما" ، على المعنى الذي وصفت من تأويله . 
وقرأه آخرون : ( ولا تحسبن ) بالتاء و"أنما" أيضا بفتح"الألف" من"أنما" ، بمعنى : ولا تحسبن ، يا 
محمد ،  الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم . 
فإن قال قائل : فما الذي من أجله فتحت"الألف" من قوله : "أنما" في قراءة من قرأ بالتاء ، وقد علمت أن ذلك إذا قرئ بالتاء فقد أعملت"تحسبن" ، في"الذين كفروا" ، وإذا أعملتها في ذلك ، لم يجز لها أن تقع على"أنما" لأن"أنما" إنما يعمل فيها عامل يعمل في شيئين نصبا؟ 
قيل : أما الصواب في العربية ووجه الكلام المعروف من كلام العرب ، كسر"إن" إذا قرئت"تحسبن" بالتاء ، لأن"تحسبن" إذا قرئت بالتاء فإنها قد نصبت"الذين كفروا" ، فلا يجوز أن تعمل ، وقد نصبت اسما ، في"أن" . ولكني أظن أن من قرأ ذلك بالتاء في"تحسبن" وفتح الألف من"أنما" ، إنما أراد تكرير تحسبن على"أنما" ، كأنه قصد إلى أن معنى الكلام : ولا تحسبن ، يا 
محمد  أنت ، الذين كفروا ، لا تحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، كما قال جل ثناؤه : ( 
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة  ) [ سورة محمد : 18 ] بتأويل : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة . وذلك وإن كان وجها  
[ ص: 423 ] جائزا في العربية ، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل . 
قال 
أبو جعفر   : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ : ( 
ولا يحسبن الذين كفروا  ) بالياء من"يحسبن" ، وبفتح الألف من"أنما" ، على معنى الحسبان للذين كفروا دون غيرهم ، ثم يعمل في"أنما" نصبا لأن"يحسبن" حينئذ لم يشغل بشيء عمل فيه ، وهي تطلب منصوبين . 
وإنما اخترنا ذلك لإجماع القرأة على فتح"الألف" من"أنما" الأولى ، فدل ذلك على أن القراءة الصحيحة فى"يحسبن" بالياء لما وصفنا . 
وأما ألف"إنما" الثانية ، فالكسر على الابتداء ، بإجماع من القرأة عليه : 
وتأويل قوله : "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما" ، إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثما ، يقول : يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر"ولهم عذاب مهين" ، يقول : ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة . 
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر . 
8267 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
عبد الرحمن  قال : حدثنا 
سفيان ،  عن 
الأعمش ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15848خيثمة ،  عن 
الأسود  قال : قال 
عبد الله   : 
ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها  . وقرأ : " 
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما  " ، وقرأ : ( 
نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار  )  [ سورة آل عمران : 198 ] .