[ ص: 449 ] القول في 
تأويل قوله : ( خليفة ) 
والخليفة الفعيلة من قولك : خلف فلان فلانا في هذا الأمر ، إذا قام مقامه فيه بعده . كما قال جل ثناؤه ( 
ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون  ) [ سورة يونس : 14 ] يعني بذلك أنه أبدلكم في الأرض منهم ، فجعلكم خلفاء بعدهم . ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم : خليفة ، لأنه خلف الذي كان قبله ، فقام بالأمر مقامه ، فكان منه خلفا . يقال منه : خلف الخليفة ، يخلف خلافة وخليفى . 
وكان 
ابن إسحاق  يقول بما : 
600 - حدثنا به 
ابن حميد  ، قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق   : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " يقول : ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خلفا ، ليس منكم . 
وليس الذي قال 
ابن إسحاق  في معنى الخليفة بتأويلها - وإن كان الله جل  
[ ص: 450 ] ثناؤه إنما أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة يسكنها - ولكن معناها ما وصفت قبل . 
فإن قال قائل : فما الذي كان في الأرض قبل بني آدم لها عامرا ، فكان بنو آدم منه بدلا وفيها منه خلفا ؟ 
قيل : قد اختلف أهل التأويل في ذلك . 
601 - فحدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
عثمان بن سعيد  ، قال : حدثنا 
بشر بن عمارة ،  عن 
أبي روق ،  عن 
الضحاك  ، عن 
ابن عباس  قال : 
أول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضا . فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة ، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال . ثم خلق آدم فأسكنه إياها ، فلذلك قال : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " 
فعلى هذا القول : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " من الجن ، يخلفونهم فيها فيسكنونها ويعمرونها . 
602 - وحدثني 
المثنى ،  قال : حدثنا 
إسحاق  ، قال : حدثنا 
عبد الله بن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن 
الربيع بن أنس  في قوله : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " الآية ، قال : إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الجن يوم  
[ ص: 451 ] الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ، فكفر قوم من الجن ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ، فكانت الدماء ، وكان الفساد في الأرض . 
وقال آخرون في تأويل قوله : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " أي خلفا يخلف بعضهم بعضا ، وهم ولد 
آدم  الذين يخلفون أباهم 
آدم  ، ويخلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله . وهذا قول حكي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري   . 
ونظير له ما : 
603 - حدثني به 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ،  قال : حدثنا 
أبو أحمد الزبيري  ، قال : حدثنا 
سفيان ،  عن 
عطاء بن السائب ،  عن 
ابن سابط  في قوله : " 
إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء  " قال : يعنون به بني 
آدم  صلى الله عليه وسلم . 
604 - حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد   : قال الله تعالى ذكره للملائكة : إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا وأجعل فيها خليفة . وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة ، والأرض ليس فيها خلق . 
وهذا القول يحتمل ما حكي عن 
الحسن  ، ويحتمل أن يكون أراد 
ابن زيد  أن الله أخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة له يحكم فيها بين خلقه بحكمه ، نظير ما : 
605 - حدثني به 
موسى بن هارون ،  قال : حدثنا 
عمرو بن حماد ،  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في خبر ذكره ، عن 
أبي مالك  ، وعن 
أبي صالح ،  عن 
ابن عباس  ، وعن 
مرة ،  عن 
ابن مسعود  ، وعن ناس من أصحاب النبي  
[ ص: 452 ] صلى الله عليه وسلم : أن الله جل ثناؤه قال للملائكة : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " قالوا : ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . فكان تأويل الآية على هذه الرواية التي ذكرناها عن 
ابن مسعود   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس :  إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي . وذلك الخليفة هو 
آدم  ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه . 
وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها ، فمن غير خلفائه ، ومن غير 
آدم  ومن قام مقامه في عباد الله - لأنهما أخبرا أن الله جل ثناؤه قال لملائكته - إذ سألوه : ما ذاك الخليفة؟ : إنه خليفة يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا . فأضاف الإفساد وسفك الدماء بغير حقها إلى ذرية خليفته دونه ، وأخرج منه خليفته . 
وهذا التأويل ، وإن كان مخالفا في معنى الخليفة ما حكي عن 
الحسن  من وجه ، فموافق له من وجه . فأما موافقته إياه ، فصرف متأوليه إضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء فيها إلى غير الخليفة . وأما مخالفته إياه ، فإضافتهما الخلافة إلى 
آدم  بمعنى استخلاف الله إياه فيها . وإضافة 
الحسن  الخلافة إلى ولده ، بمعنى خلافة بعضهم بعضا ، وقيام قرن منهم مقام قرن قبلهم ، وإضافة الإفساد في الأرض وسفك الدماء إلى الخليفة . 
والذي دعا المتأولين قوله : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " - في التأويل الذي ذكر عن 
الحسن   - إلى ما قالوا في ذلك ، أنهم قالوا إن الملائكة إنما قالت لربها ، إذ قال لهم ربهم : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " ، " 
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء  " إخبارا منها بذلك عن الخليفة الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه  
[ ص: 453 ] جاعله في الأرض لا عن غيره . لأن المحاورة بين الملائكة وبين ربها عنه جرت . قالوا : فإذا كان ذلك كذلك - وكان الله قد برأ 
آدم  من الإفساد في الأرض وسفك الدماء ، وطهره من ذلك - علم أن الذي عنى به غيره من ذريته . فثبت أن الخليفة الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء هو غير 
آدم  ، وأنهم ولده الذين فعلوا ذلك ، وأن معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرنا غيرهم لما وصفنا . 
وأغفل قائلو هذه المقالة ، ومتأولو الآية هذا التأويل ، سبيل التأويل . وذلك أن الملائكة إذ قال لها ربها : " 
إني جاعل في الأرض خليفة  " لم تضف الإفساد وسفك الدماء في جوابها ربها إلى خليفته في أرضه ، بل قالت : " 
أتجعل فيها من يفسد فيها  " ؟ وغير منكر أن يكون ربها أعلمها أنه يكون لخليفته ذلك ذرية يكون منهم الإفساد وسفك الدماء ، فقالت : يا ربنا " 
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء  " كما قال 
ابن مسعود   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ، ومن حكينا ذلك عنه من أهل التأويل .