صفحة جزء
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة أهل المدينة والبصرة : "تساءلون" بالتشديد ، بمعنى : تتساءلون ، ثم أدغم إحدى"التاءين" في"السين" ، فجعلهما"سينا" مشددة .

وقرأه بعض قرأة الكوفة : "تساءلون" ، بالتخفيف ، على مثال"تفاعلون" ،

وهما قراءتان معروفتان ، ولغتان فصيحتان أعني التخفيف والتشديد في قوله : "تساءلون به" وبأي ذلك قرأ القارئ أصاب الصواب فيه . لأن معنى ذلك ، بأي وجهيه قرئ ، غير مختلف .

وأما تأويله : واتقوا الله ، أيها الناس ، الذي إذا سأل بعضكم بعضا سأل به ، فقال السائل للمسئول : "أسألك بالله ، وأنشدك بالله ، وأعزم عليك بالله" ، وما أشبه ذلك . يقول تعالى ذكره : فكما تعظمون ، أيها الناس ، ربكم بألسنتكم حتى تروا أن من أعطاكم عهده فأخفركموه ، فقد أتى عظيما . فكذلك فعظموه بطاعتكم إياه فيما أمركم ، [ ص: 518 ] واجتنابكم ما نهاكم عنه ، واحذروا عقابه من مخالفتكم إياه فيما أمركم به أو نهاكم عنه ، كما : -

8410 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ، قال يقول : اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به .

8411 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ، يقول : اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون .

8412 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس مثله .

8413 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : أخبرنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " تساءلون به" ، قال : تعاطفون به .

وأما قوله : "والأرحام" ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله . فقال بعضهم : معناه : واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول : "أسألك به وبالرحم"

ذكر من قال ذلك :

8414 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، يقول : اتقوا الله الذي تعاطفون به والأرحام . يقول : الرجل يسأل بالله وبالرحم .

8415 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : هو كقول الرجل : "أسألك بالله ، أسألك بالرحم" ، يعني قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " . [ ص: 519 ]

8416 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : "أسألك بالله وبالرحم" .

8417 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : هو كقول الرجل : "أسألك بالرحم" .

8418 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : "أسألك بالله وبالرحم" .

8419 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن منصور - أو مغيرة - عن إبراهيم في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : هو قول الرجل : "أسألك بالله والرحم" .

8420 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الحسن قال : هو قول الرجل : "أنشدك بالله والرحم" .

قال محمد : وعلى هذا التأويل قول بعض من قرأ قوله : " والأرحام" بالخفض عطفا ب"الأرحام" ، على"الهاء" التي في قوله : "به" ، كأنه أراد : واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام فعطف بظاهر على مكني مخفوض . وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب ، لأنها لا تنسق بظاهر على مكني في الخفض ، [ ص: 520 ] إلا في ضرورة شعر ، وذلك لضيق الشعر . وأما الكلام ، فلا شيء يضطر المتكلم إلى اختيار المكروه من المنطق ، والرديء في الإعراب منه . ومما جاء في الشعر من رد ظاهر على مكني في حال الخفض ، قول الشاعر :


نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف



فعطف ب"الكعب" وهو ظاهر ، على"الهاء والألف" في قوله : "بينها" وهي مكنية .

وقال آخرون : تأويل ذلك : "واتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها . [ ص: 521 ]

ذكر من قال ذلك :

8421 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، يقول : اتقوا الله ، واتقوا الأرحام لا تقطعوها .

8422 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : اتقوا الله ، وصلوا الأرحام ، فإنه أبقى لكم في الدنيا ، وخير لكم في الآخرة .

8423 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قول الله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، يقول : اتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الله في الأرحام فصلوها .

8424 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : اتقوا الذي تساءلون به ، واتقوه في الأرحام .

8425 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة في قول الله : " الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : اتقوا الأرحام أن تقطعوها .

8426 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : هو قول الرجل : "أنشدك بالله والرحم" .

8427 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الله ، وصلوا الأرحام . [ ص: 522 ]

8428 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " الذي تساءلون به والأرحام " ، قال : اتقوا الأرحام أن تقطعوها .

8429 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : اتقوا الله في الأرحام فصلوها .

8430 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، قال يقول : واتقوا الله في الأرحام فصلوها .

8431 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي حماد ، وأخبرنا أبو جعفر الخزاز ، عن جويبر ، عن الضحاك : أن ابن عباس كان يقرأ : " والأرحام" ، يقول : اتقوا الله لا تقطعوها .

8432 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : اتقوا الأرحام .

8433 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " ، أن تقطعوها .

8434 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) [ سورة الرعد : 21 ] .

قال أبو جعفر : وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبا بمعنى : واتقوا الله الذي تساءلون به ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها عطفا ب"الأرحام" ، في إعرابها بالنصب [ ص: 523 ] على اسم الله تعالى ذكره .

قال : والقراءة التي لا نستجيز لقارئ أن يقرأ غيرها في ذلك ، النصب : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) ، بمعنى : واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء على مكني في حال الخفض ، إلا في ضرورة شعر ، على ما قد وصفت قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية