صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ومن كان غنيا " ، من ولاة أموال اليتامى على أموالهم ، فليستعفف بماله عن أكلها - بغير الإسراف والبدار أن يكبروا - بما أباح الله له أكلها به ، كما : -

8594 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش وابن أبي ليلى ، عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : " ومن كان غنيا فليستعفف " ، قال : بغناه من ماله ، حتى يستغني عن مال اليتيم .

8595 - وبه قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : " ومن كان غنيا فليستعفف " بغناه .

8596 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : [ ص: 582 ] " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : من مال نفسه ، ومن كان فقيرا منهم ، إليها محتاجا ، فليأكل بالمعروف .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في"المعروف" الذي أذن الله جل ثناؤه لولاة أموالهم أكلها به ، إذا كانوا أهل فقر وحاجة إليها .

فقال بعضهم : ذلك هو القرض يستقرضه من ماله ثم يقضيه .

ذكر من قال ذلك :

8597 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني أنزلت مال الله تعالى مني بمنزلة مال اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت .

8598 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية ، عن زهير ، عن العلاء بن المسيب ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : وهو القرض .

8599 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت يونس ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني ، أنه قال في هذه الآية : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : الذي ينفق من مال اليتيم ، يكون عليه قرضا .

8600 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله : [ ص: 583 ] ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، قال : إنما هو قرض ، ألا ترى أنه قال : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم "؟ قال : فظننت أنه قالها برأيه .

8601 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا هشام ، عن محمد ، عن عبيدة في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، وهو عليه قرض .

8602 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن سلمة بن علقمة ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : المعروف القرض ، ألا ترى إلى قوله : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم

8603 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة مثل حديث هشام .

8604 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يعني القرض .

8605 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يقول : إن كان غنيا ، فلا يحل له من مال اليتيم أن يأكل منه شيئا ، وإن كان فقيرا فليستقرض منه ، فإذا وجد ميسرة فليعطه ما استقرض منه ، فذلك أكله بالمعروف . [ ص: 584 ]

8606 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي يذكر ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير قال : يأكل قرضا بالمعروف .

8607 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن سعيد بن جبير قال : هو القرض ، ما أصاب منه من شيء قضاه إذا أيسر يعني قوله : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " .

8608 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي قال : حدثنا حماد قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إن أخذ من ماله قدر قوته قرضا ، فإن أيسر بعد قضاه ، وإن حضره الموت ولم يوسر ، تحلله من اليتيم . وإن كان صغيرا تحلله من وليه .

8609 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير : فليأكل قرضا .

8610 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : هو القرض .

8611 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : لا يأكله إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة ، فإن أكل منه شيئا قضاه . [ ص: 585 ]

8612 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فليأكل بالمعروف " ، قال : قرضا .

8613 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8614 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فليأكل بالمعروف " ، قال : سلفا من مال يتيمه .

8615 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعن حماد ، عن سعيد بن جبير " فليأكل بالمعروف " ، قالا هو القرض قال الثوري : وقاله الحكم أيضا ، ألا ترى أنه قال : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم

8616 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا حجاج ، عن مجاهد قال : هو القرض ، ما أصاب منه من شيء قضاه إذا أيسر يعني : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " .

8617 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " فليأكل بالمعروف " ، قال : القرض ، ألا ترى إلى قوله : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم

8618 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل قال : قرضا .

8619 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير قال : إذا احتاج الولي أو افتقر فلم يجد شيئا ، أكل من مال [ ص: 586 ] اليتيم وكتبه ، فإن أيسر قضاه ، وإن لم يوسر حتى تحضره الوفاة ، دعا اليتيم فاستحل منه ما أكل .

8620 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، من مال اليتيم ، بغير إسراف ولا قضاء عليه فيما أكل منه .

واختلف قائلو هذا القول في معنى : "أكل ذلك بالمعروف" . فقال بعضهم : أن يأكل من طعامه بأطراف الأصابع ، ولا يلبس منه .

ذكر من قال ذلك :

8621 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن السدي قال : أخبرني من سمع ابن عباس يقول : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : بأطراف أصابعه .

8622 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن السدي ، عمن سمع ابن عباس يقول ، فذكر مثله .

8623 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يقول : " ومن كان غنيا " من ولي مال اليتيم ، فليستعفف عن أكله" ومن كان فقيرا " ، من ولي مال اليتيم ، فليأكل معه بأصابعه ، لا يسرف في الأكل ، ولا يلبس . [ ص: 587 ]

8624 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا حرمي بن عمارة قال : حدثنا شعبة ، عن عمارة ، عن عكرمة في مال اليتيم : يدك مع أيديهم ، ولا تتخذ منه قلنسوة .

8625 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء وعكرمة قالا تضع يدك مع يده .

وقال آخرون : بل"المعروف" في ذلك : أن يأكل ما يسد جوعه ، ويلبس ما وارى العورة .

ذكر من قال ذلك :

8626 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : إن المعروف ليس بلبس الكتان ولا الحلل ، ولكن ما سد الجوع ووارى العورة .

8627 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : كان يقال : ليس المعروف بلبس الكتان والحلل ، ولكن المعروف ما سد الجوع ووارى العورة .

8628 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم نحوه .

8629 - حدثنا علي بن سهل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا أبو معبد قال : سئل مكحول عن والي اليتيم ، ما أكله بالمعروف إذا كان فقيرا؟ قال : يده مع يده . قيل له : فالكسوة؟ قال : يلبس من ثيابه ، فأما أن يتخذ من ماله مالا لنفسه فلا .

8630 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " فليأكل بالمعروف " ، قال : ما سد الجوع ووارى [ ص: 588 ] العورة . أما إنه ليس لبوس الكتان والحلل .

وقال آخرون : بل ذلك"المعروف" ، أكل تمره ، وشرب رسل ماشيته ، بقيامه على ذلك ، فأما الذهب والفضة ، فليس له أخذ شيء منهما إلا على وجه القرض .

ذكر من قال ذلك :

8631 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن القاسم بن محمد قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أموال أيتام؟ وهو يستأذنه أن يصيب منها ، فقال ابن عباس : ألست تبغي ضالتها؟ قال : بلى! قال : ألست تهنأ جرباها؟ قال : بلى! قال : ألست تلط حياضها؟ قال : بلى! قال : ألست تفرط عليها يوم وردها؟ قال : بلى! قال : فأصب من رسلها يعني : من لبنها .

8632 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أيتاما ، وإن لهم إبلا ولي إبل ، وأنا أمنح في إبلي [ ص: 589 ] وأفقر ، فماذا يحل لي من ألبانها؟ قال : إن كنت تبغي ضالتها ، وتهنأ جرباها ، وتلوط حوضها ، وتسقى عليها ، فاشرب غير مضر بنسل ، ولا ناهك في الحلب .

8633 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية في هذه الآية : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : من فضل الرسل والتمرة .

8634 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية في والي مال اليتيم قال : يأكل من رسل الماشية ومن التمرة لقيامه عليه ، ولا يأكل من المال . وقال : ألا ترى أنه قال : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم

8635 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال سمعت داود ، عن رفيع أبي العالية قال : رخص لولي اليتيم أن يصيب من الرسل ويأكل من التمرة ، وأما الذهب والفضة فلا بد أن ترد . ثم قرأ : " فإذا دفعتم إليهم أموالهم " ، [ ص: 590 ] ألا ترى أنه قال : "لا بد من أن يدفع"؟

8636 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن أنه قال : إنما كانت أموالهم إذ ذاك النخل والماشية ، فرخص لهم إذا كان أحدهم محتاجا أن يصيب من الرسل .

8637 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إذا كان فقيرا أكل من التمر ، وشرب من اللبن ، وأصاب من الرسل .

8638 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، ذكر لنا أن عم ثابت بن رفاعة وثابت يومئذ يتيم في حجره من الأنصار ، أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ قال : أن تأكل بالمعروف ، من غير أن تقي مالك بماله ، ولا تتخذ من ماله وفرا . وكان اليتيم يكون له الحائط من النخل ، فيقوم وليه على صلاحه وسقيه ، فيصيب من تمرته ، أو تكون له الماشية ، فيقوم وليه على صلاحها ، أو يلي علاجها [ ص: 591 ] ومئونتها ، فيصيب من جزازها وعوارضها ورسلها . فأما رقاب المال وأصول المال ، فليس له أن يستهلكه .

8639 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، يعني ركوب الدابة وخدمة الخادم . فإن أخذ من ماله قرضا في غنى ، فعليه أن يؤديه ، وليس له أن يأكل من ماله شيئا .

وقال آخرون منهم : له أن يأكل من جميع المال ، إذا كان يلي ذلك ، وإن أتى على المال ، ولا قضاء عليه .

ذكر من قال ذلك :

8640 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح ، عن أبي أويس ، عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا ، عن القاسم بن محمد قال : سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عما يصلح لولي اليتيم قال : إن كان غنيا فليستعفف ، وإن كان فقيرا فليأكل بالمعروف . [ ص: 592 ]

8641 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب كان يقول : يحل لولي الأمر ما يحل لولي اليتيم : من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " .

8642 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا الفضل بن عطية ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إذا احتاج فليأكل بالمعروف ، فإن أيسر بعد ذلك فلا قضاء عليه .

8643 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا ذكر الله تبارك وتعالى مال اليتامى فقال : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، ومعروف ذلك : أن يتقي الله في يتيمه .

8644 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : أنه كان لا يرى قضاء على ولي اليتيم إذا أكل وهو محتاج .

8645 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم : " فليأكل بالمعروف " ، في الوصي ، قال : لا قضاء عليه .

8646 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إذا عمل فيه ولي اليتيم أكل بالمعروف .

8647 - حدثنا بشر بن محمد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : إذا احتاج أكل بالمعروف من المال طعمة من الله له . [ ص: 593 ]

8648 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن البصري قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن في حجري يتيما ، أفأضربه؟ قال : فيما كنت ضاربا منه ولدك؟ قال : أفأصيب من ماله؟ قال : بالمعروف ، غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله .

8649 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن الزبير بن موسى ، عن الحسن البصري ، مثله .

8650 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء أنه قال : يضع يده مع أيديهم فيأكل معهم ، كقدر خدمته وقدر عمله .

8651 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : والي اليتيم ، إذا كان محتاجا ، يأكل بالمعروف لقيامه بماله .

8652 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله تبارك وتعالى : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، قال : إن استغنى كف ، وإن كان فقيرا أكل بالمعروف . قال : أكل بيده معهم ، لقيامه على أموالهم ، وحفظه إياها ، يأكل مما يأكلون منه . وإن استغنى كف عنه ولم يأكل منه شيئا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : "المعروف" [ ص: 594 ] الذي عناه الله تبارك وتعالى في قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، أكل مال اليتيم عند الضرورة والحاجة إليه ، على وجه الاستقراض منه فأما على غير ذلك الوجه ، فغير جائز له أكله .

وذلك أن الجميع مجمعون على أن والي اليتيم لا يملك من مال يتيمه إلا القيام بمصلحته . فلما كان إجماعا منهم أنه غير مالكه ، وكان غير جائز لأحد أن يستهلك مال أحد غيره ، يتيما كان رب المال أو مدركا رشيدا وكان عليه إن تعدى فاستهلكه بأكل أو غيره ، ضمانه لمن استهلكه عليه ، بإجماع من الجميع وكان والي اليتيم سبيله سبيل غيره في أنه لا يملك مال يتيمه كان كذلك حكمه فيما يلزمه من قضائه إذا أكل منه ، سبيله سبيل غيره ، وإن فارقه في أن له الاستقراض منه عند الحاجة إليه ، كما له الاستقراض عليه عند حاجته إلى ما يستقرض عليه ، إذا كان قيما بما فيه مصلحته .

ولا معنى لقول من قال : "إنما عنى بالمعروف في هذا الموضع ، أكل والي اليتيم من مال اليتيم ، لقيامه عليه على وجه الاعتياض على عمله وسعيه" . لأن لوالي اليتيم أن يؤاجر نفسه منه للقيام بأموره ، إذا كان اليتيم محتاجا إلى ذلك بأجرة معلومة ، كما يستأجر له غيره من الأجراء ، وكما يشتري له من يعينه ، غنيا كان الوالي أو فقيرا .

وإذ كان ذلك كذلك وكان الله تعالى ذكره قد دل بقوله : " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " ، على أن أكل مال اليتيم إنما أذن لمن أذن له من ولاته في حال الفقر والحاجة وكانت الحال التي للولاة [ ص: 595 ] أن يؤجروا أنفسهم من الأيتام مع حاجة الأيتام إلى الأجراء ، غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر كان معلوما أن المعنى الذي أبيح لهم من أموال أيتامهم في كل أحوالهم ، غير المعنى الذي أبيح لهم ذلك فيه في حال دون حال .

ومن أبى ما قلنا ، ممن زعم أن لولي اليتيم أكل مال يتيمه عند حاجته إليه على غير وجه القرض ، استدلالا بهذه الآية قيل له : أمجمع على أن الذي قلت تأويل قوله : " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف

فإن قال : لا!

قيل له : فما برهانك على أن ذلك تأويله ، وقد علمت أنه غير مالك مال يتيمه؟

فإن قال : لأن الله أذن له بأكله!

قيل له : أذن له بأكله مطلقا أم بشرط؟

فإن قال : بشرط ، وهو أن يأكله بالمعروف .

قيل له : وما ذلك"المعروف"؟ وقد علمت القائلين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن ذلك هو أكله قرضا وسلفا؟

ويقال لهم أيضا مع ذلك : أرأيت المولى عليهم في أموالهم من المجانين والمعاتيه ، ألولاة أموالهم أن يأكلوا من أموالهم عند حاجتهم إليه على غير وجه القرض لا الاعتياض من قيامهم بها ، كما قلتم ذلك في أموال اليتامى فأبحتموها لهم؟ فإن قالوا : ذلك لهم خرجوا من قول جميع الحجة .

وإن قالوا : ليس ذلك لهم .

قيل لهم : فما الفرق بين أموالهم وأموال اليتامى ، وحكم ولاتهم واحد : في أنهم ولاة أموال غيرهم؟ [ ص: 596 ]

فلن يقولوا في أحدهما شيئا إلا ألزموا في الآخر مثله .

ويسألون كذلك عن المحجور عليه : هل لمن يلي ماله أن يأكل ماله عند حاجته إليه؟ نحو سؤالناهم عن أموال المجانين والمعاتيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية