صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : يوصيكم الله ، يعهد الله إليكم ، في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، يقول : يعهد إليكم ربكم إذا مات الميت منكم وخلف أولادا ذكورا وإناثا ، فلولده الذكور والإناث ميراثه أجمع بينهم ، للذكر منهم مثل حظ الأنثيين ، إذا لم يكن له وارث غيرهم ، سواء فيه صغار ولده وكبارهم وإناثهم ، في أن جميع ذلك بينهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين .

[ ص: 31 ] ورفع قوله : " مثل " بالصفة ، وهي " اللام " التي في قوله : " للذكر " ولم ينصب بقوله : " يوصيكم الله " لأن " الوصية " في هذا الموضع عهد وإعلام بمعنى القول ، و " القول " لا يقع على الأسماء المخبر عنها . فكأنه قيل : يقول الله تعالى ذكره لكم : في أولادكم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين .

قال أبو جعفر : وقد ذكر أن هذه الآية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - تبيينا من الله الواجب من الحكم في ميراث من مات وخلف ورثة ، على ما بين . لأن أهل الجاهلية كانوا لا يقسمون من ميراث الميت لأحد من ورثته بعده ، ممن كان لا يلاقي العدو ولا يقاتل في الحروب من صغار ولده ، ولا للنساء منهم . وكانوا يخصون بذلك المقاتلة دون الذرية . فأخبر الله - جل ثناؤه - أن ما خلفه الميت بين من سمى وفرض له ميراثا في هذه الآية ، وفي آخر هذه السورة ، فقال في صغار ولد الميت وكبارهم وإناثهم : لهم ميراث أبيهم ، إذا لم يكن له وارث غيرهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين .

ذكر من قال ذلك :

8725 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الصغار من الغلمان ، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال ، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر ، وترك امرأة يقال لها أم كجة ، وترك خمس أخوات ، فجاءت الورثة يأخذون ماله ، فشكت أم كجة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : [ ص: 32 ] فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ثم قال في أم كجة : ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن .

8726 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم ، وقالوا : " تعطى المرأة الربع والثمن وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة ! ! اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينساه ، أو نقول له فيغيره " . فقال بعضهم : يا رسول الله ، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم ، ونعطي الصبي الميراث وليس يغني شيئا ؟ ! وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا من قاتل ، يعطونه الأكبر فالأكبر .

وقال آخرون : بل نزل ذلك من أجل أن المال كان للولد قبل نزوله ، وللوالدين الوصية ، فنسخ الله تبارك وتعالى ذلك بهذه الآية .

ذكر من قال ذلك :

8727 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أو عطاء ، عن ابن عباس في قوله : يوصيكم الله في أولادكم [ ص: 33 ] قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد ، وللزوج الشطر والربع ، وللزوجة الربع والثمن .

8728 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين قال : كان ابن عباس يقول : كان المال ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله تبارك وتعالى من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم ذكر نحوه .

8729 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد عن ابن عباس مثله .

وروي عن جابر بن عبد الله ما : -

8730 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض ، فتوضأ ونضح علي من وضوئه ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، إنما يرثني كلالة ، فكيف بالميراث ؟ فنزلت آية الفرائض . [ ص: 34 ] 8731 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه في بني سلمة يمشيان ، فوجداني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، كيف أصنع في مالي ؟ فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية