صفحة جزء
[ ص: 46 ] القول في تأويل قوله تعالى ( من بعد وصية يوصي بها أو دين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، أن الذي قسم الله تبارك وتعالى لولد الميت الذكور منهم والإناث ولأبويه من تركته من بعد وفاته ، إنما يقسمه لهم على ما قسمه لهم في هذه الآية من بعد قضاء دين الميت الذي مات وهو عليه من تركته ، ومن بعد تنفيذ وصيته في بابها بعد قضاء دينه كله . فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت ، ولا لأحد ممن أوصى له بشيء ، إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته ، وإن أحاط بجميع ذلك . ثم جعل أهل الوصايا بعد قضاء دينه - شركاء ورثته فيما بقي لما أوصى لهم به ، ما لم يجاوز ذلك ثلثه . فإن جاوز ذلك ثلثه ، جعل الخيار في إجازة ما زاد على الثلث من ذلك أو رده إلى ورثته : إن أحبوا أجازوا الزيادة على ثلث ذلك ، وإن شاءوا ردوه . فأما ما كان من ذلك إلى الثلث ، فهو ماض عليهم .

وعلى كل ما قلنا من ذلك الأمة مجمعة . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك خبر ، وهو ما :

8736 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث الأعور ، عن علي رضي الله عنه قال : إنكم تقرءون هذه الآية : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية .

8737 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي رضوان الله عليه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .

[ ص: 47 ] 8738 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا حفص بن غياث قال : حدثنا أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

8739 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه : من بعد وصية يوصي بها أو دين قال : يبدأ بالدين قبل الوصية .

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والعراق : ( يوصي بها أو دين ) .

وقرأه بعض أهل مكة والشأم والكوفة ، " يوصى بها " على معنى ما لم يسم فاعله .

[ ص: 48 ] قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) على مذهب ما قد سمي فاعله ، لأن الآية كلها خبر عمن قد سمي فاعله . ألا ترى أنه يقول : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ؟ فكذلك الذي هو أولى بقوله : يوصي بها أو دين ، أن يكون خبرا عمن قد سمي فاعله ، لأن تأويل الكلام : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد من بعد وصية يوصي بها أو دين يقضى عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية