القول في تأويل قوله تعالى : ( 
فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما  ( 16 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في " الأذى " الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة ، من قبل أن يجعل لهما سبيلا منه . 
فقال بعضهم : ذلك الأذى ، أذى بالقول واللسان ، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة . 
ذكر من قال ذلك : 
8819 - حدثنا 
بشر بن معاذ  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   : " فآذوهما " قال : كانا يؤذيان بالقول جميعا  . 
8820 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن مفضل  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : 
فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك . 
وقال آخرون : كان ذلك الأذى ، أذى اللسان ، غير أنه كان سبا .  
[ ص: 85 ] ذكر من قال ذلك : 
8821 - حدثنا 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم ،  عن 
عيسى ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   : " فآذوهما " يعني : سبا  . 
وقال آخرون : بل كان ذلك الأذى باللسان واليد . 
ذكر من قال ذلك : 
8822 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح ،  عن 
علي بن أبي طلحة ،  عن 
ابن عباس  قوله : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال  . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين ، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام . و " الأذى " قد يقع لكل مكروه نال الإنسان ، من قول سيئ باللسان أو فعل . وليس في الآية بيان أي ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ ، ولا خبر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطع العذر . 
وأهل التأويل في ذلك مختلفون ، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد ، وجائز أن يكون كان أذى بهما . وليس في العلم بأي ذلك كان من أي - نفع  
[ ص: 86 ] في دين ولا دنيا ، ولا في الجهل به مضرة ، إذ كان الله - جل ثناؤه - قد نسخ ذلك من محكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما . فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما ، فما أوجب في " سورة النور : 2 " بقوله : ( 
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  ) . وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما ، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما . وأجمع أهل التأويل جميعا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم . 
وقال جماعة من أهل التأويل : إن الله سبحانه نسخ بقوله : " ( 
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  ) [ سورة النور : 2 ] ، قوله : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما  . 
ذكر من قال ذلك : 
8823 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم ،  عن 
عيسى ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد   : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : كل ذلك نسخته الآية التي في " النور " بالحد المفروض . 
8824 - حدثنا 
أبو هشام  قال : حدثنا 
يحيى ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد   : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، قال : هذا نسخته الآية في " سورة النور " بالحد المفروض . 
8825 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
أبو تميلة  قال : حدثنا 
الحسين بن واقد ،  عن 
يزيد النحوي   . عن 
عكرمة  والحسن البصري  قالا : في قوله : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، نسخ ذلك بآية الجلد فقال : ( 
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  [ ص: 87 ]  ) . 
8826 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح ،  عن 
علي بن أبي طلحة ،  عن 
ابن عباس  قوله : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فأنزل الله بعد هذا : ( 
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  ) ، فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  . 
8827 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن مفضل  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : 
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية ، جاءت الحدود فنسختها  . 
8828 - حدثت عن 
الحسين بن الفرج  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد بن سليمان  قال : سمعت 
الضحاك  يقول : نسخ الحد هذه الآية . 
8829 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثنا 
أبو سفيان ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   : 
فأمسكوهن في البيوت الآية ، قال : نسختها الحدود ، وقوله : 
واللذان يأتيانها منكم ، نسختها الحدود . 
8830 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : 
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، الآية ، ثم نسخ هذا ، وجعل السبيل لها إذا زنت وهي محصنة ، رجمت وأخرجت ، وجعل السبيل للذكر جلد مائة  . 
8831 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة  في قوله : 
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، قال : نسختها الحدود  .  
[ ص: 88 ] وأما قوله : 
فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما فإنه يعني به - جل ثناؤه - : فإن تابا من الفاحشة التي أتيا فراجعا طاعة الله بينهما " وأصلحا " يقول : وأصلحا دينهما بمراجعة التوبة من فاحشتهما ، والعمل بما يرضي الله 
فأعرضوا عنهما ، يقول : فاصفحوا عنهما ، وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبة لهما على ما أتيا من الفاحشة ، ولا تؤذوهما بعد توبتهما . 
وأما قوله : 
إن الله كان توابا رحيما ، فإنه يعني : إن الله لم يزل راجعا لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته " رحيما " بهم ، يعني : ذا رحمة ورأفة .