القول في تأويل قوله ( 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله - جل ثناؤه - : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ما التوبة على الله لأحد من خلقه ، إلا للذين يعملون السوء من المؤمنين بجهالة 
ثم يتوبون من قريب ، يقول : ما الله براجع لأحد من خلقه إلى ما يحبه من العفو عنه والصفح عن ذنوبه التي سلفت منه ، إلا للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون ، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم .  
[ ص: 89 ] وذلك هو " القريب " الذي ذكره الله تعالى ذكره فقال : 
ثم يتوبون من قريب  . 
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله : " بجهالة " . 
فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه ، وذهب إلى أن عمله السوء ، هو " الجهالة " التي عناها . 
ذكر من قال ذلك : 
8832 - حدثنا 
بشر بن معاذ  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  عن 
أبي العالية   : أنه كان يحدث : أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة . 
8833 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر ،  عن 
قتادة  قوله : 
للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا أن كل شيء عصي به فهو " جهالة " عمدا كان أو غيره . 
8834 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا 
عيسى ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  في قوله : 
للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته . 
8835 - حدثنا 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  قوله : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : كل من عمل بمعصية الله ، فذاك منه بجهل حتى يرجع عنه  . 
8836 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن مفضل  قال : حدثنا  
[ ص: 90 ] أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ما دام يعصي الله فهو جاهل . 
8837 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17011محمد بن فضيل بن غزوان ،  عن 
أبي النضر ،  عن 
أبي صالح ،  عن 
ابن عباس   : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : من عمل السوء فهو جاهل ، من جهالته عمل السوء . 
8838 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد  قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : وأخبرني 
عبد الله بن كثير ،  عن 
مجاهد  قال : كل عامل بمعصية فهو جاهل حين عمل بها قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : وقال لي 
عطاء بن أبي رباح  نحوه . 
8839 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قول الله : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، قال : " الجهالة " كل امرئ عمل شيئا من معاصي الله فهو جاهل أبدا حتى ينزع عنها ، وقرأ : ( 
هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون  ) [ سورة يوسف : 89 ] ، وقرأ : 
وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين  [ سورة يوسف : 33 ] . قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته  . 
وقال آخرون : معنى قوله : 
للذين يعملون السوء بجهالة ، يعملون ذلك على عمد منهم له . 
ذكر من قال ذلك : 
8840 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
الثوري ،  عن 
مجاهد   : 
يعملون السوء بجهالة ، قال : الجهالة العمد .  
[ ص: 91 ]  8841 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن 
سفيان ،  عن رجل ، عن 
مجاهد  مثله . 
8842 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
أبو زهير ،  عن 
جويبر ،  عن 
الضحاك   : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : الجهالة العمد  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء في الدنيا . 
ذكر من قال ذلك : 
8843 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثنا 
معتمر بن سليمان ،  عن 
الحكم بن أبان ،  عن 
عكرمة  قوله : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : الدنيا كلها جهالة  . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : تأويلها : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء ، وعملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها ، عامدين كانوا للإثم ، أو جاهلين بما أعد الله لأهلها . 
وذلك أنه غير موجود في كلام العرب تسمية العامد للشيء : " الجاهل به " إلا أن يكون معنيا به أنه جاهل بقدر منفعته ومضرته ، فيقال : " هو به جاهل " على معنى جهله بمعنى نفعه وضره . فأما إذا كان عالما بقدر مبلغ نفعه وضره ، قاصدا إليه ، فغير جائز من أجل قصده إليه أن يقال " هو به جاهل "  
[ ص: 92 ] لأن " الجاهل بالشيء " هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه أو الذي يعلمه ، فيشبه فاعله ، إذ كان خطأ ما فعله - بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل ، فيخطئ موضع الإصابة منه ، فيقال : " إنه لجاهل به " وإن كان به عالما ، لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به . 
وكذلك معنى قوله : 
يعملون السوء بجهالة ، قيل فيهم : 
يعملون السوء بجهالة وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله ، عامدين إتيانه ، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة ، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : " أتاه بجهالة " بمعنى أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلا . 
وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه : أنهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب ، فلم يعلموه كعلم العالم ، وإن علموه ذنبا ، فلذلك قيل : " يعملون السوء بجهالة " . 
قال 
أبو جعفر   : ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول ، لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كنه ما فيه . وذلك أنه - جل ثناؤه - قال : 
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب دون غيرهم . فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الذي عمل سوءا على علم منه بكنه ما فيه ، ثم تاب من قريب توبة ، وذلك خلاف الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أن كل تائب عسى الله أن يتوب عليه وقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501793باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس  [ ص: 93 ] من مغربها  " وخلاف قول الله عز وجل : ( 
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا  ) [ سورة الفرقان : 70 ] .