صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ثم يتوبون من قريب )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى : " القريب " في هذا الموضع .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ثم يتوبون في صحتهم قبل مرضهم وقبل موتهم .

ذكر من قال ذلك :

8844 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم يتوبون من قريب ، والقريب قبل الموت ما دام في صحته .

8845 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ثم يتوبون من قريب ، قال : في الحياة والصحة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل معاينة ملك الموت .

[ ص: 94 ] ذكر من قال ذلك .

8846 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ثم يتوبون من قريب ، والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت .

8847 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت عمران بن حدير قال : قال أبو مجلز : لا يزال الرجل في توبة حتى يعاين الملائكة .

8848 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : القريب ، ما لم تنزل به آية من آيات الله تعالى ، وينزل به الموت .

4849 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، وله التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت ، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت ، فليس له ذاك .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل الموت .

ذكر من قال ذلك :

8850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن الضحاك ، ثم يتوبون من قريب ، قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب .

8851 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة : ثم يتوبون من قريب ، قال : الدنيا كلها قريب . [ ص: 95 ] 8852 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ثم يتوبون من قريب ، قبل الموت .

8853 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة قال : ذكر لنا أن إبليس لما لعن وأنظر ، قال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح . فقال تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .

8854 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمران ، عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة ، فحدث أبو قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .

8855 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فأنظره إلى يوم الدين ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح ! قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح .

8856 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عوف ، عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن إبليس لما رأى آدم أجوف قال : وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح ! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أحول بينه وبين التوبة ما دام فيه الروح .

[ ص: 96 ] 8857 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن العلاء بن زياد ، عن أبي أيوب بشير بن كعب : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .

8858 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكر مثله .

8859 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : تأويله : ثم يتوبون قبل مماتهم ، في الحال التي يفهمون فيها أمر الله تبارك وتعالى ونهيه ، وقبل أن يغلبوا على أنفسهم وعقولهم ، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحشرجة وغم الغرغرة ، فلا يعرفوا أمر الله ونهيه ، ولا يعقلوا التوبة ، لأن التوبة لا تكون توبة إلا من ندم [ ص: 97 ] على ما سلف منه ، وعزم منه على ترك المعاودة ، وهو يعقل الندم ، ويختار ترك المعاودة : فأما إذا كان بكرب الموت مشغولا وبغم الحشرجة مغمورا ، فلا إخاله إلا عن الندم على ذنوبه مغلوبا . ولذلك قال من قال : " إن التوبة مقبولة ، ما لم يغرغر العبد بنفسه " فإن كان المرء في تلك الحال يعقل عقل الصحيح ، ويفهم فهم العاقل الأريب ، فأحدث إنابة من ذنوبه ، ورجعة من شروده عن ربه إلى طاعته ، كان إن شاء الله ممن دخل في وعد الله الذي وعد التائبين إليه من إجرامهم من قريب بقوله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية