صفحة جزء
[ ص: 127 ] القول في تأويل قوله ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( 21 ) )

قال أبو جعفر : أي : ما وثقتم به لهن على أنفسكم ، من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم ، من إمساكهن بمعروف ، أو تسريحهن بإحسان .

وكان في عقد المسلمين النكاح قديما فيما بلغنا - أن يقال لناكح : " آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان " !

8920 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا . والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم : " آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان " .

واختلف أهل التأويل في " الميثاق " الذي عنى الله - جل ثناؤه - بقوله : " وأخذن منكم ميثاقا غليظا " .

فقال بعضهم : هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

ذكر من قال ذلك :

8921 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

8922 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك مثله .

[ ص: 128 ] 8923 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : هو ما أخذ الله تبارك وتعالى للنساء على الرجال ، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . قال : وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح .

8924 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها : أنكحناكها بأمانة الله ، على أن تمسكها بالمعروف أو تسرحها بإحسان .

8925 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : " الميثاق الغليظ " الذي أخذه الله للنساء : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وكان في عقدة المسلمين عند نكاحهن : " أيم الله عليك ، لتمسكن بمعروف ولتسرحن بإحسان " .

8926 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

وقال آخرون : هو كلمة النكاح التي استحل بها الفرج .

ذكر من قال ذلك :

8927 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : كلمة النكاح التي استحل بها فروجهن .

8928 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

8929 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا [ ص: 129 ] سفيان ، عن أبي هاشم المكي ، عن مجاهد في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : قوله : " نكحت " .

8930 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن كعب القرظي : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : هو قولهم : " قد ملكت النكاح " .

8931 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن مجاهد : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : كلمة النكاح .

8932 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : الميثاق النكاح .

8933 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا سفيان قال : حدثني سالم الأفطس ، عن مجاهد : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : كلمة النكاح ، قوله : " نكحت " .

وقال آخرون : بل عنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " .

ذكر من قال ذلك :

8934 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر وعكرمة : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قالا : أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله .

8935 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 130 ] عن أبيه ، عن الربيع : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، والميثاق الغليظ : أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك ، قول من قال : الميثاق الذي عني به في هذه الآية : هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عقدة النكاح من عهد على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان ، فأقر به الرجل . لأن الله - جل ثناؤه - بذلك أوصى الرجال في نسائهم .

وقد بينا معنى " الميثاق " فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

واختلف في حكم هذه الآية ، أمحكم أم منسوخ ؟

فقال بعضهم : محكم ، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها ، إذا أراد طلاقها ، إلا أن تكون هي المريدة الطلاق .

وقال آخرون : هي محكمة ، غير جائز له أخذ شيء مما آتاها منها بحال ، كانت هي المريدة للطلاق أو هو . وممن حكي عنه هذا القول ، بكر بن عبد الله المزني .

8936 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء . قال : سألت بكرا عن المختلعة ، أيأخذ منها شيئا ؟ قال : لا وأخذن منكم ميثاقا غليظا .

[ ص: 131 ] قال آخرون : بل هي منسوخة ، نسخها قوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) [ سورة البقرة : 229 ] .

ذكر من قال ذلك :

8937 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج إلى قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، قال : ثم رخص بعد فقال : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ سورة البقرة : 229 ] . قال : فنسخت هذه تلك .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ، قول من قال : " إنها محكمة غير منسوخة " وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها ، إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها ، ولا ريبة أتت بها .

وذلك أن الناسخ من الأحكام ، ما نفى خلافه من الأحكام ، على ما قد بينا في سائر كتبنا . وليس في قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، نفي حكم قوله : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ سورة البقرة : 229 ] . لأن الذي حرم الله على الرجل بقوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا - أخذ ما آتاها منها إذا كان هو المريد طلاقها . وأما الذي أباح له أخذه منها بقوله : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ، فهو إذا كانت هي المريدة طلاقه وهو له كاره ، ببعض المعاني التي قد ذكرنا في غير هذا الموضع .

[ ص: 132 ] وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى .

وإذ كان ذلك كذلك ، لم يجز أن يحكم لإحداهما بأنها ناسخة ، وللأخرى بأنها منسوخة ، إلا بحجة يجب التسليم لها .

وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني : من أنه ليس لزوج المختلعة - أخذ ما أعطته على فراقه إياها ، إذا كانت هي الطالبة الفرقة ، وهو الكاره فليس بصواب ؛ لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أمر ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقها إذ طلبت فراقه ، وكان النشوز من قبلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية