1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النساء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم "
صفحة جزء
[ ص: 151 ] القول في تأويل قوله ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : حرمت عليكم المحصنات من النساء ، إلا ما ملكت أيمانكم .

واختلف أهل التأويل في " المحصنات " التي عناهن الله في هذه الآية .

فقال بعضهم : هن ذوات الأزواج غير المسبيات منهن ، و " ملك اليمين " : السبايا اللواتي فرق بينهن وبين أزواجهن - السباء ، فحللن لمن صرن له بملك اليمين ، من غير طلاق كان من زوجها الحربي لها .

ذكر من قال ذلك :

8961 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كل ذات زوج ، إتيانها زنا ، إلا ما سبيت .

8962 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله .

[ ص: 152 ] 8963 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام ، إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب ، فهي لك حلال إذا استبرأتها .

8964 - وحدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد ، عن أبي قلابة في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : ما سبيتم من النساء . إذا سبيت المرأة ولها زوج في قومها ، فلا بأس أن تطأها .

8965 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل امرأة محصنة لها زوج فهي محرمة ، إلا ما ملكت يمينك من السبي وهي محصنة لها زوج ، فلا تحرم عليك به . قال : كان أبي يقول ذلك .

8966 - حدثني المثنى قال : حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي قال : حدثنا سعيد ، عن مكحول في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال : السبايا .

واعتل قائلو هذه المقالة ، بالأخبار التي رويت أن هذه الآية نزلت فيمن سبي من أوطاس .

ذكر الرواية بذلك :

8967 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 153 ] قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس ، فلقوا عدوا ، فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين ، فكان المسلمون يتأثمون من غشيانهن ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، أي : هن حلال لكم إذا ما انقضت عددهن .

8968 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل : أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدث : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعث يوم حنين سرية ، فأصابوا حيا من أحياء العرب يوم أوطاس ، فهزموهم وأصابوا لهم سبايا ، فكان ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتأثمون من غشيانهن من أجل أزواجهن ، فأنزل الله تبارك وتعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم منهن ، فحلال لكم ذلك .

8969 - حدثني علي بن سعيد الكناني قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن أشعث بن سوار ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل أوطاس ، قلنا : يا رسول الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن ؟ قال : فنزلت هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم .

8970 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا نساء من سبي أوطاس لهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله [ ص: 154 ] عليه وسلم ، فنزلت : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، فاستحللنا فروجهن .

[ ص: 155 ] 8971 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد قال : نزلت في يوم أوطاس . أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك ، فقال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : إلا ما أفاء الله عليكم . قال : فاستحللنا بها فروجهن .

وقال آخرون ممن قال : " المحصنات ذوات الأزواج في هذا الموضع " : بل هن كل ذات زوج من النساء ، حرام على غير أزواجهن ، إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشتر من مولاها ، فتحل لمشتريها ، ويبطل بيع سيدها إياها النكاح بينها وبين زوجها .

ذكر من قال ذلك :

8972 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل ذات زوج عليك حرام ، إلا أن تشتريها ، أو ما ملكت يمينك .

8973 - حدثني المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ، ويتلو هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم . [ ص: 156 ] 8974 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل ذات زوج عليك حرام إلا ما اشتريت بمالك وكان يقول : بيع الأمة طلاقها .

8975 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قوله : والمحصنات من النساء ، قال : هن ذوات الأزواج ، حرم الله نكاحهن ، إلا ما ملكت يمينك ، فبيعها طلاقها قال معمر : وقال الحسن مثل ذلك .

8976 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : عن الحسن في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : إذا كان لها زوج ، فبيعها طلاقها .

8977 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن أبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك قالوا : بيعها طلاقها .

8978 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أن أبي بن كعب وجابرا وابن عباس قالوا : بيعها طلاقها .

8979 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : قال عبد الله : بيع الأمة طلاقها .

8980 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ومغيرة والأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : بيع الأمة طلاقها .

8981 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 157 ] حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله مثله .

8982 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله مثله .

8983 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : طلاق الأمة ست : بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها .

8984 - حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن عيسى بن أبي إسحاق ، عن أشعث ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب أنه قال : بيع الأمة طلاقها .

8985 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن الحسن قال : بيع الأمة طلاقها ، وبيعه طلاقها .

8986 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا خالد ، عن أبي قلابة قال : قال عبد الله : مشتريها أحق ببضعها يعني الأمة تباع ولها زوج .

[ ص: 158 ] 8987 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن قال : طلاق الأمة بيعها .

8988 - حدثنا حميد قال : حدثنا سفيان بن حبيب قال : حدثنا يونس ، عن الحسن : أن أبيا قال : بيعها طلاقها .

8989 - حدثنا أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج ، فسيدها أحق ببضعها .

8990 - حدثنا حميد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثني سعيد ، عن قتادة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم قال : بيعها طلاقها . قال : فقيل لإبراهيم : فبيعه ؟ قال : ذلك ما لا نقول فيه شيئا .

وقال آخرون : بل معنى " المحصنات " في هذا الموضع : العفائف . قالوا : وتأويل الآية : والعفائف من النساء حرام أيضا عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم منهن بنكاح وصداق وسنة وشهود ، من واحدة إلى أربع .

[ ص: 159 ] ذكر من قال ذلك :

8991 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن أبي العالية قال : يقول : " انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ، ثم قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : فرجع إلى أول السورة ، إلى أربع ، فقال : هن حرام أيضا إلا بصداق وسنة وشهود .

8992 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : أحل الله لك أربعا في أول السورة ، وحرم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك قال معمر ، وأخبرني ابن طاوس ، عن أبيه : إلا ما ملكت يمينك ، قال : فزوجك مما ملكت يمينك ، يقول : حرم الله الزنا ، لا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك .

8993 - حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قول الله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ، قال : أربع .

8994 - حدثني علي بن سعيد قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن عمر بن الخطاب مثله .

8995 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : الأربع ، فما بعدهن حرام . [ ص: 160 ] 8996 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها فقال : حرم الله ذوات القرابة . ثم قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : حرم ما فوق الأربع منهن .

8997 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : والمحصنات من النساء ، قال : الخامسة حرام كحرمة الأمهات والأخوات .

ذكر من قال : " عنى بالمحصنات في هذا الموضع - العفائف من المسلمين وأهل الكتاب .

8998 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : " والمحصنات " قال : العفيفة العاقلة ، من مسلمة أو من أهل الكتاب .

8999 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن بعض أصحابه ، عن مجاهد : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : العفائف .

وقال آخرون : " المحصنات " في هذا الموضع ، ذوات الأزواج ، غير أن الذي حرم الله منهن في هذه الآية ، الزنا بهن ، وأباحهن بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو الملك .

ذكر من قال ذلك :

9000 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " والمحصنات " قال : نهى عن الزنا . [ ص: 161 ] 9001 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : والمحصنات من النساء قال : نهى عن الزنا ، أن تنكح المرأة زوجين .

9002 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : كل ذات زوج عليكم حرام ، إلا الأربع اللاتي ينكحن بالبينة والمهر .

9003 - حدثنا أحمد بن عثمان قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا أبي قال : سمعت النعمان بن راشد يحدث ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : أنه سئل عن المحصنات من النساء ، قال : هن ذوات الأزواج .

9004 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ ص: 162 ] قال : ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين . وقال علي : ذوات الأزواج من المشركين .

9005 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : والمحصنات من النساء ، قال : كل ذات زوج عليكم حرام .

9006 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن عبد الكريم ، عن مكحول نحوه .

9007 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن الصلت بن بهرام ، عن إبراهيم نحوه .

9008 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى وأحل لكم ما وراء ذلكم ، يعني : ذوات الأزواج من النساء لا يحل نكاحهن . يقول : لا تخبب ولا تعد ، فتنشز على زوجها . وكل امرأة لا تنكح إلا ببينة ومهر فهي من المحصنات التي حرم الله إلا ما ملكت أيمانكم ، يعني التي أحل الله من النساء ، وهو ما أحل من حرائر النساء مثنى وثلاث ورباع .

[ ص: 163 ] وقال آخرون : بل هن نساء أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

9009 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عيسى بن عبيد ، عن أيوب بن أبي العوجاء ، عن أبي مجلز في قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : نساء أهل الكتاب .

وقال آخرون : بل هن الحرائر .

ذكر من قال ذلك :

9010 - حدثنا ابن بشار قال : حدثني حماد بن مسعدة قال : حدثنا سليمان ، عن عزرة في قوله : والمحصنات من النساء ، قال : الحرائر .

[ ص: 164 ] وقال آخرون : " المحصنات " هن العفائف وذوات الأزواج ، وحرام كل من الصنفين إلا بنكاح أو ملك يمين .

ذكر من قال ذلك :

9011 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، وسئل عن قول الله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم الآية ، قال : نرى أنه حرم في هذه الآية المحصنات من النساء ذوات الأزواج أن ينكحن مع أزواجهن ، والمحصنات العفائف . ولا يحللن إلا بنكاح أو ملك يمين . والإحصان إحصانان : إحصان تزويج ، وإحصان عفاف ، في الحرائر والمملوكات . كل ذلك حرم الله ، إلا بنكاح أو ملك يمين .

وقال آخرون : نزلت هذه الآية في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهن أزواج ، فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين ، فنهي المسلمون عن نكاحهن .

ذكر من قال ذلك :

9012 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان النساء يأتيننا ثم يهاجر أزواجهن ، فمنعناهن . يعني بقوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم " .

[ ص: 165 ] وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسا عليهم تأويل ذلك .

9013 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : قال رجل لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، فلم يقل فيها شيئا ؟ قال فقال : كان لا يعلمها .

9014 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن مجاهد قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية ، لضربت إليه أكباد الإبل ، قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى قوله : فما استمتعتم به منهن ، إلى آخر الآية .

قال أبو جعفر : فأما " المحصنات " فإنهن جمع " محصنة " وهي التي قد منع فرجها بزوج . يقال منه : " أحصن الرجل امرأته فهو يحصنها إحصانا " " وحصنت هي فهي تحصن حصانة " إذا عفت " وهي حاصن من النساء " عفيفة ، كما قال العجاج :


وحاصن من حاصنات ملس عن الأذى وعن قراف الوقس

[ ص: 166 ] ويقال أيضا ، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور : " قد أحصنت فرجها فهي محصنة " كما قال - جل ثناؤه - : ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها ) [ سورة التحريم : 12 ] ، بمعنى : حفظته من الريبة ، ومنعته من الفجور . وإنما قيل لحصون المدائن والقرى : " حصون " لمنعها من أرادها وأهلها ، وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها . ولذلك قيل للدرع : " درع حصينة " .

فإذا كان أصل " الإحصان " ما ذكرنا من المنع والحفظ ، فبين أن معنى قوله : والمحصنات من النساء ، والممنوعات من النساء حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم .

وإذ كان ذلك معناه ، وكان الإحصان قد يكون بالحرية ، كما قال - جل ثناؤه - : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) [ سورة المائدة : 5 ] ويكون بالإسلام ، كما قال تعالى ذكره : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ سورة النساء : 25 ] ويكون بالعفة ، كما قال - جل ثناؤه - : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) [ سورة النور : 4 ] ويكون بالزوج ولم يكن تبارك وتعالى خص محصنة دون محصنة في قوله : والمحصنات من النساء فواجب أن تكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها ، حراما علينا سفاحا أو نكاحا إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء ، كما أباحه لنا كتاب الله - جل ثناؤه - أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله .

[ ص: 167 ] فالذي أباحه الله تبارك وتعالى لنا نكاحا من الحرائر : الأربع ، سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر . ومن الإماء : ما سبينا من العدو ، سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر ، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى - متفقات المعاني وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج ، فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء ، وبعد إخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن . فأما السفاح ، فإن الله تبارك وتعالى حرمه من جميعهن ، فلم يحله من حرة ولا أمة ، ولا مسلمة ، ولا كافرة مشركة .

وأما الأمة التي لها زوج ، فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها ، أو وفاته وانقضاء عدتها منه . فأما بيع سيدها إياها ، فغير موجب بينها وبين زوجها فراقا ولا تحليلا لمشتريها ، لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائشة ، بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوجوها منه في حال رقها ، وبين فراقه ، ولم يجعل - صلى الله عليه وسلم - عتق عائشة إياها لها طلاقا . ولو كان عتقها وزوال ملك عائشة إياها لها طلاقا ، لم يكن لتخيير النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بين المقام مع زوجها والفراق - معنى ، ولوجب بالعتق الفراق ، وبزوال ملك عائشة عنها الطلاق . فلما خيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الذي ذكرنا وبين المقام مع زوجها والفراق ، كان معلوما أنه لم يخير بين ذلك إلا والنكاح عقده ثابت كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها . فكان نظيرا للعتق الذي هو زوال ملك مالك المملوكة ذات الزوج عنها - البيع ، الذي هو زوال ملك مالكها عنها ، إذ كان أحدهما زوالا ببيع ، والآخر بعتق في أن الفرقة لا تجب بينها وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما ، ولا يجب بهما ولا بواحد منهما [ ص: 168 ] - طلاق ، وإن اختلفا في معان أخر : من أن لها في العتق الخيار في المقام مع زوجها والفراق ، لعلة مفارقة معنى البيع ، وليس ذلك لها في البيع .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف يكون معنيا بالاستثناء من قوله : والمحصنات من النساء ، ما وراء الأربع ، من الخمس إلى ما فوقهن بالنكاح ، والمنكوحات به غير مملوكات ؟

قيل له : إن الله تعالى لم يخص بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم - المملوكات الرقاب ، دون المملوك عليها بعقد النكاح أمرها ، بل عم بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم - كلا المعنيين أعني ملك الرقبة ، وملك الاستمتاع بالنكاح لأن جميع ذلك ملكته أيماننا . أما هذه فملك استمتاع ، وأما هذه فملك استخدام واستمتاع وتصريف فيما أبيح لمالكها منها . ومن ادعى أن الله تبارك وتعالى عنى بقوله : والمحصنات من النساء محصنة وغير محصنة سوى من ذكرنا أولا ، بالاستثناء بقوله : إلا ما ملكت أيمانكم ، بعض أملاك أيماننا دون بعض غير الذي دللنا على أنه غير معني به - سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير . فلن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

[ ص: 169 ] فإن اعتل معتل منهم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في سبايا أوطاس

قيل له : إن سبايا أوطاس لم يوطأن بالملك والسباء دون الإسلام . وذلك أنهن كن مشركات من عبدة الأوثان ، وقد قامت الحجة بأن نساء عبدة الأوثان لا يحللن بالملك دون الإسلام ، وأنهن إذا أسلمن فرق الإسلام بينهن وبين الأزواج ، سبايا كن أو مهاجرات . غير أنهن إذا كن سبايا ، حللن إذا هن أسلمن بالاستبراء . فلا حجة لمحتج في أن المحصنات اللاتي عناهن بقوله : والمحصنات من النساء - ذوات الأزواج من السبايا دون غيرهن ، بخبر أبي سعيد الخدري أن ذلك نزل في سبايا أوطاس . لأنه وإن كان فيهن نزل ، فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسباء خاصة ، دون غيره من المعاني التي ذكرنا . مع أن الآية تنزل في معنى ، فتعم ما نزلت به فيه وغيره ، فيلزم حكمها جميع ما عمته ، لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا " كتاب البيان عن أصول الأحكام " .

التالي السابق


الخدمات العلمية