1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النساء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا "
صفحة جزء
[ ص: 230 ] القول في تأويل قوله ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ( 30 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ومن يفعل ذلك عدوانا " .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن يقتل نفسه ، بمعنى : ومن يقتل أخاه المؤمن عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا .

ذكر من قال ذلك :

9167 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت قوله : ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ، في كل ذلك ، أو في قوله : ولا تقتلوا أنفسكم ؟ قال : بل في قوله : ولا تقتلوا أنفسكم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن يفعل ما حرمته عليه من أول هذه السورة إلى قوله : " ومن يفعل ذلك " من نكاح من حرمت نكاحه ، وتعدى حدوده ، وأكل أموال الأيتام ظلما ، وقتل النفس المحرم قتلها ظلما بغير حق .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ومن يأكل مال أخيه المسلم ظلما بغير طيب نفس منه ، وقتل أخاه المؤمن ظلما ، فسوف نصليه نارا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : معناه : ومن يفعل ما حرم الله عليه ، من قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ) إلى قوله : " ومن يفعل ذلك " من نكاح المحرمات ، وعضل المحرم [ ص: 231 ] عضلها من النساء ، وأكل المال بالباطل ، وقتل المحرم قتله من المؤمنين لأن كل ذلك مما وعد الله عليه أهله العقوبة .

فإن قال قائل : فما منعك أن تجعل قوله : " ذلك " معنيا به جميع ما أوعد الله عليه العقوبة من أول السورة ؟

قيل : منعني ذلك أن كل فصل من ذلك قد قرن بالوعيد ، إلى قوله : ( أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ) ، ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرم الله في الآي التي بعده إلى قوله : فسوف نصليه نارا . فكان قوله : ومن يفعل ذلك ، معنيا به ما قلنا ، مما لم يقرن بالوعيد ، مع إجماع الجميع على أن الله تعالى قد توعد على كل ذلك - أولى من أن يكون معنيا به ما سلف فيه الوعيد بالنهي مقرونا قبل ذلك .

وأما قوله : " عدوانا " فإنه يعني به تجاوزا لما أباح الله له ، إلى ما حرمه عليه " وظلما " يعني : فعلا منه ذلك بغير ما أذن الله به ، وركوبا منه ما قد نهاه الله عنه .

وقوله : " فسوف نصليه نارا " يقول : فسوف نورده نارا يصلى بها فيحترق فيها وكان ذلك على الله يسيرا ، يعني : وكان إصلاء فاعل ذلك النار وإحراقه بها ، على الله سهلا يسيرا ، لأنه لا يقدر على الامتناع على ربه مما أراد به من سوء . وإنما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعده ، على من كان [ ص: 232 ] إذا حاول الوفاء به قدر المتوعد من الامتناع منه . فأما من كان في قبضة موعده ، فيسير عليه إمضاء حكمه فيه ، والوفاء له بوعيده . غير عسير عليه أمر أراده به .

التالي السابق


الخدمات العلمية