صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( 40 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم [ ص: 360 ] الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله فإن الله لا يبخس أحدا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه من ثواب نفقته في الدنيا ولا من أجرها يوم القيامة مثقال ذرة " أي ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن ولكنه يجازيه به ويثيبه عليه كما

9502 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة : أنه تلا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها قال لأن تفضل حسناتي في سيئاتي بمثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها .

9503 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال كان بعض أهل العلم يقول لأن تفضل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذرة أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعا .

وأما الذرة فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها كما

9504 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله مثقال ذرة قال رأس نملة حمراء .

قال أبو جعفر : قال لي إسحاق بن وهب : قال يزيد بن هارون : زعموا أن هذه [ ص: 361 ] الذرة الحمراء ليس لها وزن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

9505 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة

حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا هشام بن سعد قال أخبرنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : والذي نفسي بيده ما أحدكم بأشد مناشدة في الحق يراه مصيبا له من المؤمنين في إخوانهم إذا رأوا أن قد خلصوا من النار . يقولون أي ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا ويجاهدون معنا قد أخذتهم النار فيقول الله لهم اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه ويحرم صورتهم على النار فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه وإلى حقويه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون ، فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم [ ص: 362 ] يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول لهم ذلك حتى يقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه . فكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث قال إن لم تصدقوا فاقرأوا إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " فيقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا .

9507 - وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثني أبي وشعيب بن الليث عن الليث عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال آخرون في ذلك بما :

9508 - حدثني به المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا صدقة بن أبي سهل قال حدثنا أبو عمرو عن زاذان قال أتيت ابن مسعود فقال [ ص: 363 ] إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد من عند الله ألا من كان يطلب مظلمة فليجئ إلى حقه فليأخذه قال فيفرح - والله المرء أن يذوب له الحق على والده أو ولده أو زوجته فيأخذ منه وإن كان صغيرا . ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ سورة المؤمنون : 101 ] فيقال له ائت هؤلاء حقوقهم ، أي أعطهم حقوقهم فيقول : أي رب من أين وقد ذهبت الدنيا فيقول الله لملائكته أي ملائكتي انظروا في أعماله الصالحة وأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة وهو أعلم بذلك منها يا ربنا أعطينا كل ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرة من حسنة فيقول للملائكة ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة . ومصداق ذلك في كتاب الله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما : أي الجنة يعطيها وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته قالت الملائكة وهو أعلم بذلك إلهنا فنيت حسناته وبقي سيئاته وبقي طالبون كثير فيقول الله ضعفوا عليها من أوزارهم واكتبوا له كتابا إلى النار قال صدقة أو صكا إلى جهنم شك صدقة أيتهما قال [ ص: 364 ]

9509 - وحدثت عن محمد بن عبيد عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب قال سمعت زاذان يقول قال عبد الله بن مسعود : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين هذا فلان بن فلان من كان له حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها أو على ابنها أو على أخيها أو على زوجها ثم قرأ ابن مسعود : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ سورة المؤمنون 101 ] فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب للناس فيقول ائتوا إلى الناس حقوقهم ، فيقول رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم ؟ فيقول خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ علينا إن الله لا يظلم مثقال ذرة . وإن كان عبدا شقيا قال الملك رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير . فيقول خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكا إلى النار [ ص: 365 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية على تأويل عبد الله هذا إن الله لا يظلم عبدا وجب له مثقال ذرة قبل عبد له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه ولكنه يأخذه منه له ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تبعته قبله وإن تك حسنة يضاعفها يقول : وإن توجد له حسنة يضاعفها بمعنى يضاعف له ثوابها وأجرها ويؤت من لدنه أجرا عظيما يقول ويعطه من عنده أجرا عظيما والأجر العظيم : الجنة على ما قاله عبد الله .

ولكلا التأويلين وجه مفهوم ، أعني التأويل الذي قاله ابن مسعود والذي قاله قتادة وإنما اخترنا التأويل الأول لموافقته الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته إذ كان في سياق الآية التي قبلها التي حث الله فيها على النفقة في طاعته وذم النفقة في طاعة الشيطان . ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما

واختلفت القرأة في قراءة قوله وإن تك حسنة فقرأت ذلك عامة قرأة العراق : ( وإن تك حسنة ) بنصب الحسنة بمعنى وإن تك زنة الذرة حسنة يضاعفها . [ ص: 366 ]

وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة : ( وإن تك حسنة ) برفع الحسنة بمعنى وإن توجد حسنة على ما ذكرت عن عبد الله بن مسعود من تأويل ذلك

وأما قوله يضاعفها فإنه جاء ب الألف ولم يقل يضعفها لأنه أريد به في قول بعض أهل العربية يضاعفها أضعافا كثيرة ولو أريد به في قوله يضعف ذلك ضعفين لقيل يضعفها بالتشديد .

ثم اختلف أهل التأويل في الذين وعدهم الله بهذه الآية ما وعدهم فيها

فقال بعضهم هم جميع أهل الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم واعتلوا في ذلك بما

9510 - حدثنا الفضل بن الصباح قال حدثنا يزيد بن هارون عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي قال لقيت أبا هريرة فقلت له إنه بلغني أنك تقول إن الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة قال وما أعجبك من ذلك فوالله لقد سمعته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يقول إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة

وقال آخرون بل ذلك المهاجرون خاصة دون أهل البوادي والأعراب واعتلوا في ذلك بما [ ص: 367 ]

9511 - حدثني محمد بن هارون أبو نشيط قال حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن عبد الله بن عمير قال نزلت هذه الآية في الأعراب ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) [ سورة الأنعام 60 ] قال فقال رجل فما للمهاجرين ؟ قال ما هو أعظم من ذلك إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عني بهذه الآية المهاجرون دون الأعراب ؛ وذلك أنه غير جائز أن يكون في أخبار الله أو أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم شيء يدفع بعضه بعضا فإذ كان صحيحا وعد الله من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة من الجزاء عشر أمثالها ومن جاء بالحسنة منهم أن يضاعفها له ، وكان الخبران اللذان ذكرناهما عنه صلى الله عليه وسلم - صحيحين كان غير جائز إلا أن يكون أحدهما مجملا والآخر مفسرا إذ كانت أخباره صلى الله عليه وسلم يصدق بعضها بعضا وإذ كان ذلك كذلك صح أن خبر أبي هريرة معناه أن الحسنة لتضاعف للمهاجرين من أهل الإيمان ألفي ألف حسنة وللأعراب منهم عشر أمثالها على ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - وأن قوله ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) يعني من جاء بالحسنة من أعراب المؤمنين فله عشر أمثالها ومن جاء بالحسنة من مهاجريهم [ ص: 368 ] يضاعف له ويؤته الله من لدنه أجرا يعني يعطه من عنده أجرا عظيما يعني عوضا من حسنته عظيما ، وذلك العوض العظيم الجنة كما

9512 - حدثني المثنى قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا صدقة بن أبي سهل قال حدثنا أبو عمرو عن زاذان عن ابن مسعود : ويؤت من لدنه أجرا عظيما : أي الجنة يعطيها

9513 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال أخبرني عباد بن أبي صالح عن سعيد بن جبير قوله ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال الأجر العظيم الجنة

9514 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال أجرا عظيما الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية