صفحة جزء
[ ص: 490 ] القول في تأويل قوله ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها ولاة أمور المسلمين .

ذكر من قال ذلك :

9839 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي مكين ، عن زيد بن أسلم قال : نزلت هذه الآية : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها : في ولاة الأمر .

9840 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا ليث ، عن شهر قال : نزلت في الأمراء خاصة إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .

9841 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا إسماعيل ، عن مصعب بن سعد قال : قال علي - رضي الله عنه - كلمات أصاب فيهن : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، وأن يؤدي الأمانة ، وإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا ، وأن يطيعوا ، وأن يجيبوا إذا دعوا .

9842 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح قال : حدثنا إسماعيل عن مصعب بن سعد ، عن علي بنحوه . [ ص: 491 ]

9843 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا موسى بن عمير ، عن مكحول في قول الله : وأولي الأمر منكم قال : هم أهل الآية التي قبلها : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها : إلى آخر الآية .

9844 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا ابن زيد قال : قال أبي : هم الولاة ، أمرهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها .

وقال آخرون : أمر السلطان بذلك : أن يعظوا النساء .

ذكر من قال ذلك :

9845 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها قال : يعني السلطان يعظون النساء .

وقال آخرون : الذي خوطب بذلك - النبي صلى الله عليه وسلم - في مفتاح الكعبة ، أمر بردها على عثمان بن طلحة .

ذكر من قال ذلك :

9846 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها قال : نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قبض منه النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاتيح الكعبة ، ودخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان [ ص: 492 ] فدفع إليه المفتاح . قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك

9847 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا الزنجي بن خالد ، عن الزهري قال : دفعه إليه وقال : أعينوه .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال : هو خطاب من الله ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولوا أمره في فيئهم وحقوقهم ، وما ائتمنوا عليه من أمورهم ، بالعدل بينهم في القضية ، والقسم بينهم بالسوية . يدل على ذلك ما وعظ به الرعية في : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، فأمرهم بطاعتهم ، وأوصى الراعي بالرعية ، وأوصى الرعية بالطاعة كما : -

9848 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : قال أبي : هم السلاطين . وقرأ ابن زيد : ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء ) [ سورة آل عمران : 26 ] ، وإنما نقول : هم العلماء الذي يطيفون على [ ص: 493 ] السلطان ، ألا ترى أنه أمرهم فبدأ بهم بالولاة فقال : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ؟ . والأمانات : هي الفيء الذي استأمنهم على جمعه وقسمه ، والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها . وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، الآية كلها . فأمر بهذا الولاة . ثم أقبل علينا نحن فقال : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .

وأما الذي قال ابن جريج من أن هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة فإنه جائز أن تكون نزلت فيه ، وأريد به كل مؤتمن على أمانة ، فدخل فيه ولاة أمور المسلمين ، وكل مؤتمن على أمانة في دين أو دنيا . ولذلك قال من قال : عني به قضاء الدين ، ورد حقوق الناس كالذي : -

9849 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها : فإنه لم يرخص لموسر ولا معسر أن يمسكها .

9850 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها : عن الحسن : أن [ ص: 494 ] نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا - إذ كان الأمر على ما وصفنا - إن الله يأمركم يا معشر ولاة أمور المسلمين أن تؤدوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم على ما أمركم الله بأداء كل شيء من ذلك إلى من هو له ، بعد أن تصير في أيديكم ، لا تظلموها أهلها ، ولا تستأثروا بشيء منها ، ولا تضعوا شيئا منها في غير موضعه ، ولا تأخذوها إلا ممن أذن الله لكم بأخذها منه قبل أن تصير في أيديكم ، ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف ، وذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه ، وبينه على لسان رسوله ، لا تعدوا ذلك فتجوروا عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية