1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النساء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، وأطيعوا رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة ، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته ، كما : -

9851 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول . [ ص: 496 ]

فقال بعضهم : ذلك أمر من الله باتباع سنته .

ذكر من قال ذلك :

9852 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " قال : طاعة الرسول اتباع سنته .

9853 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد الملك ، عن عطاء : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " قال : طاعة الرسول : اتباع الكتاب والسنة .

9854 - وحدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك ، عن عطاء مثله .

وقال آخرون : ذلك أمر من الله بطاعة الرسول في حياته .

ذكر من قال ذلك :

9855 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، إن كان حيا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : هو أمر من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى ، وبعد وفاته باتباع سنته . وذلك أن الله عم بالأمر بطاعته ، ولم يخصص بذلك في حال دون حال ، فهو على العموم حتى يخص ذلك ما يجب التسليم له .

واختلف أهل التأويل في : "أولي الأمر " الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الآية . [ ص: 497 ]

فقال بعضهم : هم الأمراء .

ذكر من قال ذلك :

9856 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال : هم الأمراء .

9857 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم : نزلت في رجل بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - على سرية .

9858 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن مسلم بن هرمز ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في السرية . [ ص: 498 ]

9859 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث قال : سأل مسلمة ميمون بن مهران عن قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال : أصحاب السرايا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .

9860 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال . قال أبي : هم السلاطين . قال وقال ابن زيد في قوله : وأولي الأمر منكم ، قال أبي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطاعة الطاعة ، وفي الطاعة بلاء . وقال : ولو شاء الله لجعل الأمر في الأنبياء يعني : لقد جعلت [ الأمر ] إليهم - والأنبياء معهم - ألا ترى حين حكموا في قتل يحيى بن زكريا ؟

9861 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية عليها خالد بن الوليد ، وفيها عمار بن ياسر ، فساروا قبل القوم الذين يريدون ، فلما بلغوا قريبا منهم عرسوا ، وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم ، فأصبحوا قد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا [ ص: 499 ] متاعهم ، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد ، فسأل عن عمار بن ياسر ، فأتاه فقال : يا أبا اليقظان ، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا ، وإني بقيت ، فهل إسلامي نافعي غدا ، وإلا هربت ؟ قال عمار : بل هو ينفعك ، فأقم ، فأقام ، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل ، فأخذه وأخذ ماله . فبلغ عمارا الخبر ، فأتى خالدا فقال : خل عن الرجل ، فإنه قد أسلم ، وهو في أمان مني . فقال خالد : وفيم أنت تجير ؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجاز أمان عمار ، ونهاه أن يجير الثانية على أمير . فاستبا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال خالد : يا رسول الله ، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا خالد لا تسب عمارا ؛ فإنه من سب عمارا سبه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله ، ومن لعن عمارا لعنه الله . فغضب عمار فقام ، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه ، فرضي عنه ، فأنزل الله - تعالى - قوله : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " .

وقال آخرون : هم أهل العلم والفقه .

ذكر من قال ذلك :

9862 - حدثني سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن علي بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله . . . . . [ ص: 500 ]

9863 - . . . . قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن الأعمش ، عن مجاهد في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، قال : أولي الفقه منكم .

9864 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا ليث ، عن مجاهد في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، قال : أولي الفقه والعلم .

9865 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح : وأولي الأمر منكم ، قال : أولي الفقه في الدين والعقل .

9866 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

9867 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم : يعني أهل الفقه والدين .

9868 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن مجاهد : وأولي الأمر منكم ، قال : أهل العلم .

9869 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء بن السائب في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال : أولي العلم والفقه . [ ص: 501 ]

9870 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء : وأولي الأمر منكم ، قال : الفقهاء والعلماء .

9871 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : وأولي الأمر منكم ، قال : هم العلماء .

9872 - قال : وأخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : وأولي الأمر منكم ، قال : هم أهل الفقه والعلم .

9873 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : وأولي الأمر منكم ، قال : هم أهل العلم ، ألا ترى أنه يقول : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [ سورة النساء : 83 ] ؟

وقال آخرون : هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

ذكر من قال ذلك :

9874 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال : كان مجاهد يقول : أصحاب محمد قال : وربما قال : أولي العقل والفقه ودين الله .

وقال آخرون : هم أبو بكر وعمر رحمهما الله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 502 ]

9875 - حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال : حدثنا حفص بن عمر العدني قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال : أبو بكر وعمر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان [ لله ] طاعة ، وللمسلمين مصلحة ، كالذي : -

9876 - حدثني علي بن مسلم الطوسي قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عروة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، وصلوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم ، وإن أساءوا فلكم وعليهم . [ ص: 503 ]

9877 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله قال : أخبرني نافع ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فمن أمر بمعصية فلا طاعة .

9878 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني خالد ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .

فإذ كان معلوما أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل ، وكان الله قد أمر بقوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " بطاعة ذوي أمرنا كان معلوما أن الذين أمر بطاعتهم - تعالى ذكره - من ذوي أمرنا هم الأئمة ومن ولوه المسلمين دون غيرهم من الناس ، وإن كان فرضا القبول من كل من أمر بترك معصية الله ودعا إلى طاعة الله ، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية ، فإن على من أمروه بذلك طاعتهم ، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية . [ ص: 504 ]

وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية