1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة النساء
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ( 60 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ألم تر يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب ، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت يعني إلى : من يعظمونه ، ويصدرون عن قوله ، ويرضون بحكمه من دون حكم الله ، وقد أمروا أن يكفروا به ، يقول : وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكون إليه ، فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان . ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ، يعني : أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى فيضلهم عنها ضلالا بعيدا يعني : فيجور بهم عنها جورا شديدا .

وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلا من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان ليحكم بينهم ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم . [ ص: 508 ]

ذكر من قال ذلك :

9891 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عامر في هذه الآية : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت قال : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فكان المنافق يدعو إلى اليهود ؛ لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة ، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين ؛ لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة . فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة ، فأنزل الله فيه هذه الآية : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك " حتى بلغ " ويسلموا تسليما " .

9892 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عامر في هذه الآية : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك : فذكر نحوه . وزاد فيه : فأنزل الله : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك " يعني المنافقين " وما أنزل من قبلك " يعني اليهود " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " يقول : إلى الكاهن " وقد أمروا أن يكفروا به " أمر هذا في كتابه ، وأمر هذا في كتابه أن يكفر بالكاهن .

9893 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي قال : كانت بين رجل ممن يزعم أنه مسلم وبين رجل من اليهود خصومة ، فقال اليهودي : أحاكمك إلى أهل دينك أو قال : إلى النبي ؛ لأنه قد علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأخذ الرشوة في الحكم ، فاختلفا ، فاتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة قال : فنزلت : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك " يعني : الذي من الأنصار ، " وما أنزل من قبلك " يعني : اليهودي " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " : إلى الكاهن " وقد أمروا [ ص: 509 ] أن يكفروا به " يعني : أمر هذا في كتابه ، وأمر هذا في كتابه . وتلا " ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا " . وقرأ : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " إلى " ويسلموا تسليما " .

9894 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي أن رجلا من اليهود كان قد أسلم ، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حق ، فقال اليهودي له : انطلق إلى نبي الله ، فعرف أنه سيقضي عليه ، قال : فأبى ، فانطلقا إلى رجل من الكهان فتحاكما إليه . قال الله : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " [ ص: 510 ] .

9895 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك : الآية حتى بلغ " ضلالا بعيدا " ، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين : رجل من الأنصار يقال له بشر ، وفي رجل من اليهود في مدارأة كانت بينهما في حق ، فتدارءا بينهما ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة يحكم بينهما ، وتركا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعاب الله - عز وجل - ذلك . وذكر لنا أن اليهودي كان يدعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحكم بينهما ، وقد علم أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لن يجور عليه . فجعل الأنصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم ، ويدعوه إلى الكاهن ، فأنزل الله - تبارك وتعالى - ما تسمعون ، فعاب ذلك على الذي يزعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب ، فقال : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك " إلى قوله : " صدودا " .

9896 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت "قال : كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة ، قتلوا به منهم . فإذا قتل الرجل من بني قريظة قتلته النضير أعطوا ديته ستين وسقا من تمر . فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير ، قتل رجل من بني النضير رجلا من بني قريظة ، فتحاكموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النضيري : يا رسول الله إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية فنحن نعطيهم اليوم ذلك . فقالت قريظة : لا ولكنا إخوانكم في النسب والدين ، ودماؤنا مثل دمائكم ، ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية ، فقد جاء الله بالإسلام ، فأنزل الله يعيرهم بما فعلوا فقال : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) [ سورة المائدة : 54 ] ، فعيرهم ، ثم ذكر قول النضيري : كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا ، ونقتل منهم ولا يقتلونا ، فقال ( أفحكم الجاهلية يبغون ) [ سورة المائدة : 50 ] . وأخذ النضيري فقتله بصاحبه ، فتفاخرت النضير وقريظة ، فقالت النضير : نحن أكرم منكم ، وقالت قريظة : نحن أكرم منكم ، ودخلوا المدينة إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، فقال المنافق من قريظة والنضير : انطلقوا إلى أبي بردة ينفر بيننا . [ ص: 511 ] وقال المسلمون من قريظة والنضير : لا بل النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفر بيننا ، فتعالوا إليه ، فأبى المنافقون ، وانطلقوا إلى أبي بردة فسألوه ، فقال : أعظموا اللقمة يقول : أعظموا الخطر ، فقالوا : لك عشرة أوساق . قال : لا بل مئة وسق ديتي ، فإني أخاف أن أنفر النضير فتقتلني قريظة ، أو أنفر قريظة فتقتلني النضير ، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق ، وأبى أن يحكم بينهم ، فأنزل الله - عز وجل - : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " وهو أبو بردة " وقد أمروا أن يكفروا به " إلى قوله : " ويسلموا تسليما " .

وقال آخرون : الطاغوت في هذا الموضع هو كعب بن الأشرف .

ذكر من قال ذلك :

9897 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به : والطاغوت رجل من اليهود كان يقال له : كعب بن الأشرف ، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا : بل نحاكمكم إلى كعب فذلك قوله : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " الآية .

9798 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك قال : تنازع رجل من المنافقين ورجل من [ ص: 512 ] اليهود ، فقال المنافق : اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف ، وقال اليهودي : اذهب بنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الله - تبارك وتعالى - : " ألم تر إلى الذين يزعمون " الآية ، والتي تليها فيهم أيضا .

9899 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك " ، فذكر مثله إلا أنه قال : وقال اليهودي : اذهب بنا إلى محمد .

9900 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " إلى قوله : " ضلالا بعيدا " قال : كان رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما خصومة أحدهم مؤمن والآخر منافق ، فدعاه المؤمن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، فأنزل الله : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) .

9901 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت قال : تنازع رجل من المؤمنين ورجل من اليهود ، فقال اليهودي : اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف ، وقال المؤمن : اذهب بنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الله : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك إلى قوله : صدودا . قال ابن جريج : يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، قال : القرآن . وما أنزل من قبلك ، قال : التوراة . قال : [ ص: 513 ] يكون بين المسلم والمنافق الحق ، فيدعوه المسلم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحاكمه إليه ، فيأبى المنافق ويدعوه إلى الطاغوت . قال ابن جريج : قال مجاهد : الطاغوت كعب بن الأشرف .

9902 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " : هو كعب بن الأشرف .

وقد بينا معنى الطاغوت في غير هذا الموضع ، فكرهنا إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية