صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ولا تهنوا ولا تضعفوا .

من قولهم : "وهن فلان في هذا الأمر يهن وهنا ووهونا" .

وقوله : " في ابتغاء القوم " ، يعني : في التماس القوم وطلبهم ، و "القوم" [ ص: 171 ] هم أعداء الله وأعداء المؤمنين من أهل الشرك بالله " إن تكونوا تألمون " ، يقول : إن تكونوا أيها المؤمنون تيجعون مما ينالكم من الجراح منهم في الدنيا ، " فإنهم يألمون كما تألمون " ، يقول : فإن المشركين ييجعون مما ينالهم منكم من الجراح والأذى مثل ما تيجعون أنتم من جراحهم وأذاهم فيها وترجون أنتم أيها المؤمنون من الله من الثواب على ما ينالكم منهم " ما لا يرجون " هم على ما ينالهم منكم . يقول : فأنتم إذ كنتم موقنين من ثواب الله لكم على ما يصيبكم منهم ، بما هم به مكذبون ، أولى وأحرى أن تصبروا على حربهم وقتالهم ، منهم على قتالكم وحربكم ، وأن تجدوا من طلبهم وابتغائهم ، لقتالهم على ما يهنون فيه ولا يجدون ، فكيف على ما جدوا فيه ولم يهنوا؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10400 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون " ، يقول : لا تضعفوا في طلب القوم ، فإنكم إن تكونوا تيجعون ، فإنهم ييجعون كما تيجعون ، وترجون من الله من الأجر والثواب ما لا يرجون . [ ص: 172 ]

10401 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون " ، قال يقول : لا تضعفوا في طلب القوم ، فإن تكونوا تيجعون الجراحات ، فإنهم ييجعون كما تيجعون .

10402 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا تهنوا في ابتغاء القوم " ، لا تضعفوا .

10403 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولا تهنوا " ، يقول : لا تضعفوا .

10404 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تهنوا في ابتغاء القوم " ، قال يقول : لا تضعفوا عن ابتغائهم إن تكونوا تألمون القتال " فإنهم يألمون كما تألمون " . وهذا قبل أن تصيبهم الجراح - إن كنتم تكرهون القتال فتألمونه - " فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " ، يقول : فلا تضعفوا في ابتغائهم بمكان القتال .

10405 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " إن تكونوا تألمون " ، توجعون .

10406 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج " إن تكونوا تألمون " ، قال : توجعون لما يصيبكم منهم ، فإنهم يوجعون [ ص: 173 ] كما توجعون ، وترجون أنتم من الثواب فيما يصيبكم ما لا يرجون .

10407 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان قتال أحد ، وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : "يا محمد ، ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحرب سجال ، يوم لنا ويوم لكم" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أجيبوه . فقالوا : "لا سواء ، لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار" . فقال أبو سفيان : "عزى لنا ولا عزى لكم" ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا له : "الله مولانا ولا مولى لكم" . قال أبو سفيان : "اعل هبل ، اعل هبل"! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا له : "الله أعلى وأجل"! فقال أبو سفيان : "موعدنا وموعدكم بدر الصغرى" ، ونام المسلمون وبهم الكلوم وقال عكرمة : وفيها أنزلت : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ) [ سورة آل عمران : 140 ] ، وفيهم أنزلت : " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما " .

10408 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون " ، [ ص: 174 ] قال : ييجعون كما تيجعون .

وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يتأول قوله : " وترجون من الله ما لا يرجون " ، وتخافون من الله ما لا يخافون ، من قول الله : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) [ سورة الجاثية : 14 ] ، بمعنى : لا يخافون أيام الله .

وغير معروف صرف "الرجاء" إلى معنى "الخوف" في كلام العرب ، إلا مع جحد سابق له ، كما قال جل ثناؤه : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) [ سورة نوح : 13 ] ، بمعنى : لا تخافون لله عظمة ، وكما قال الشاعر :


لا ترتجي حين تلاقي الذائدا أسبعة لاقت معا أم واحدا



وكما قال أبو ذؤيب الهذلي :


إذا لسعته النحل لم يرج لسعها     وخالفها في بيت نوب عوامل

[ ص: 175 ]

وهي فيما بلغنا - لغة لأهل الحجاز يقولونها ، بمعنى : ما أبالي ، وما أحفل .

التالي السابق


الخدمات العلمية