[ ص: 191 ] القول في 
تأويل قوله ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا  ( 108 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بقوله : " 
يستخفون من الناس  " ، يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ما أتوا من الخيانة ، وركبوا من العار والمعصية من الناس الذين لا يقدرون لهم على شيء ، إلا ذكرهم بقبيح ما أتوا من فعلهم ، وشنيع ما ركبوا من جرمهم إذا اطلعوا عليه ، حياء منهم وحذرا من قبيح الأحدوثة " 
ولا يستخفون من الله  " الذي هو مطلع عليهم ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وبيده العقاب والنكال وتعجيل العذاب ، وهو أحق أن يستحى منه من غيره ، وأولى أن يعظم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه وهو معهم يعني : والله شاهدهم " 
إذ يبيتون ما لا يرضى من القول  " ، يقول : حين يسوون ليلا ما لا يرضى من القول ، فيغيرونه عن وجهه ، ويكذبون فيه . 
وقد بينا معنى "التبييت" في غير هذا الموضع ، وأنه كل كلام أو أمر أصلح ليلا . 
وقد حكي عن بعض الطائيين أن "التبييت" في لغتهم : التبديل ، وأنشد 
للأسود بن عامر بن جوين الطائي  في معاتبة رجل :  
[ ص: 192 ] وبيت قولي عبد المليك قاتلك الله عبدا كنودا!! 
بمعنى : بدلت قولي . 
وروي عن 
أبي رزين  أنه كان يقول في معنى قوله : "يبيتون" ، يؤلفون . 
10419 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
عبد الرحمن  قال : حدثنا 
سفيان ،  عن 
الأعمش ،  عن 
أبي رزين   : " 
إذ يبيتون ما لا يرضى من القول  " ، قال : يؤلفون ما لا يرضى من القول . 
10420 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12260أحمد بن سنان الواسطي  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12194أبو يحيى الحماني ،  عن 
سفيان ،  عن 
الأعمش ،  عن 
أبي رزين  بنحوه . 
10421 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
الثوري ،  عن 
الأعمش ،  عن 
أبي رزين ،  مثله . 
قال 
أبو جعفر   : وهذا القول شبيه المعنى بالذي قلناه . وذلك أن "التأليف" هو التسوية والتغيير عما هو به ، وتحويله عن معناه إلى غيره . 
وقد قيل : عنى بقوله : " 
يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله  " ، الرهط الذين مشوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة المدافعة عن 
ابن أبيرق  والجدال عنه ، على ما ذكرنا قبل فيما مضى عن 
ابن عباس  وغيره . 
" 
وكان الله بما يعملون محيطا  " يعني جل ثناؤه : وكان الله بما يعمل هؤلاء  
[ ص: 193 ] المستخفون من الناس ، فيما أتوا من جرمهم ، حياء منهم ، من تبييتهم ما لا يرضى من القول ، وغيره من أفعالهم محيطا محصيا لا يخفى عليه شيء منه ، حافظا لذلك عليهم ، حتى يجازيهم عليه جزاءهم .