القول في تأويل قوله ( 
ولا الهدي ولا القلائد  ) 
قال 
أبو جعفر   : "أما الهدي" ، فهو ما أهداه المرء من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك ، إلى بيت الله ، تقربا به إلى الله ، وطلب ثوابه . 
يقول الله عز وجل : فلا تستحلوا ذلك ، فتغصبوه أهله غلبة ولا تحولوا بينهم وبين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا به المحل الذي جعله الله جل وعز محله من كعبته .  
[ ص: 467 ] 
وقد روي عن 
ابن عباس  أن"الهدي" إنما يكون هديا ما لم يقلد  . 
10948 - حدثني بذلك 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : "ولا الهدي" ، قال : الهدي ما لم يقلد ، وقد جعل على نفسه أن يهديه ويقلده  . 
وأما قوله : "ولا القلائد" ، فإنه يعني : ولا تحلوا أيضا القلائد . 
ثم اختلف أهل التأويل في"القلائد" التي نهى الله عز وجل عن إحلالها . 
فقال بعضهم : عنى ب "القلائد" ، قلائد الهدي . وقالوا : إنما أراد الله جل وعز بقوله : "ولا الهدي ولا القلائد" ، ولا تحلوا الهدايا المقلدات منها وغير المقلدات . فقوله : "ولا الهدي" ، ما لم يقلد من الهدايا "ولا القلائد" ، المقلد منها . قالوا : ودل بقوله : "ولا القلائد" ، على معنى ما أراد من النهي عن استحلال الهدايا المقلدة . 
ذكر من قال ذلك : 
10949 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : "ولا القلائد" ، القلائد ، مقلدات الهدي . وإذا قلد الرجل هديه فقد أحرم . فإن فعل ذلك وعليه قميصه ، فليخلعه  . 
وقال آخرون : يعني بذلك : القلائد التي كان المشركون يتقلدونها إذا أرادوا الحج مقبلين إلى 
مكة ،  من لحاء السمر وإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها ، من الشعر .  
[ ص: 468 ] 
ذكر من قال ذلك : 
10950 - حدثني 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
قتادة   : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" ، قال : كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من السمر ، فلم يعرض له أحد . فإذا رجع تقلد قلادة شعر ، فلم يعرض له أحد  . 
وقال آخرون : بل كان الرجل منهم يتقلد إذا أراد الخروج من الحرم ، أو خرج من لحاء شجر الحرم ، فيأمن بذلك من سائر قبائل العرب أن يعرضوا له بسوء . 
ذكر من قال ذلك : 
10951 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول  ، عن 
عطاء   : "ولا القلائد" ، قال : كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم ، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم ، فنزلت : "لا تحلوا شعائر الله" ، الآية ، "ولا الهدي ولا القلائد" . 
10952 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا 
عيسى  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : "ولا القلائد" ، قال : "القلائد" ، اللحاء في رقاب الناس والبهائم ، أمن لهم  . 
10953 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  ، مثله . 
10954 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  ، قوله : "ولا الهدي ولا القلائد" ، قال : إن العرب كانوا يتقلدون من لحاء شجر 
مكة  ، فيقيم الرجل بمكانه ، حتى إذا انقضت الأشهر الحرم ، فأراد أن يرجع إلى أهله ، قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر ، فيأمن حتى يأتي أهله  .  
[ ص: 469 ] 
10955 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : "ولا القلائد" ، قال : "القلائد" ، كان الرجل يأخذ لحاء شجرة من شجر الحرم ، فيتقلدها ، ثم يذهب حيث شاء ، فيأمن بذلك . فذلك "القلائد" . 
وقال آخرون : إنما نهى الله المؤمنين بقوله : "ولا القلائد" ، أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم فيتقلدوه ، كما كان المشركون يفعلون في جاهليتهم . 
ذكر من قال ذلك : 
10956 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
جرير  ، عن 
عبد الملك  ، عن 
عطاء  في قوله : "ولا الهدي ولا القلائد" ، كان المشركون يأخذون من شجر 
مكة ،  من لحاء السمر ، فيتقلدونها ، فيأمنون بها من الناس . فنهى الله أن ينزع شجرها فيتقلد  . 
10957 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا 
عبيد الله  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11960أبي جعفر الرازي  ، عن 
الربيع بن أنس  قال : جلسنا إلى 
مطرف بن الشخير  ، وعنده رجل فحدثهم في قوله : "ولا القلائد" ، قال : كان المشركون يأخذون من شجر 
مكة ،  من لحاء السمر ، فيتقلدون ، فيأمنون بها في الناس . فنهى الله عز ذكره أن ينزع شجرها فيتقلد  . 
قال 
أبو جعفر   : والذي هو أولى بتأويل قوله : "ولا القلائد" إذ كانت معطوفة على أول الكلام ، ولم يكن في الكلام ما يدل على انقطاعها عن أوله ، ولا أنه عنى بها النهي عن التقلد أو اتخاذ القلائد من شيء أن يكون معناه : ولا تحلوا القلائد . 
فإذا كان ذلك بتأويله أولى ، فمعلوم أنه نهي من الله جل ذكره عن استحلال حرمة المقلد ، هديا كان ذلك أو إنسانا ، دون حرمة القلادة . وإن الله عز ذكره ، إنما دل بتحريمه حرمة القلادة ، على ما ذكرنا من حرمة المقلد ، فاجتزأ بذكره  
[ ص: 470 ]  "القلائد" من ذكر"المقلد" ، إذ كان مفهوما عند المخاطبين بذلك معنى ما أريد به . 
فمعنى الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ، ولا الشهر الحرام ، ولا الهدي ، ولا المقلد نفسه بقلائد الحرم . 
وقد ذكر بعض الشعراء في شعره ما ذكرنا عمن تأول "القلائد" أنها قلائد لحاء شجر الحرم الذي كان أهل الجاهلية يتقلدونه ، فقال وهو يعيب رجلين قتلا رجلين كانا تقلدا ذلك : 
ألم تقتلا الحرجين إذ أعوراكما يمران بالأيدي اللحاء المضفرا 
و"الحرجان" ، المقتولان كذلك . ومعنى قوله : "أعوراكما" ، أمكناكما من عورتهما .