صفحة جزء
[ ص: 98 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ( 9 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، وعد الله أيها الناس الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا بما جاءهم به من عند ربهم ، وعملوا بما واثقهم الله به ، وأوفوا بالعقود التي عاقدهم عليها بقولهم : "لنسمعن ولنطيعن الله ورسوله" فسمعوا أمر الله ونهيه وأطاعوه ، فعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه .

ويعني بقوله : "لهم مغفرة" لهؤلاء الذين وفوا بالعقود والميثاق الذي واثقهم به ربهم "مغفرة" وهي ستر ذنوبهم السالفة منهم عليهم ، وتغطيتها بعفوه لهم عنها ، وتركه عقوبتهم عليها ، وفضيحتهم بها ، "وأجر عظيم" يقول : ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم ، جزاء على أعمالهم التي عملوها ووفائهم بالعقود التي عاقدوا ربهم عليها "أجر عظيم" ، و"العظيم" من خيره غير محدود مبلغه ، ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره .

فإن قال قائل : إن الله جل ثناؤه أخبر في هذه الآية أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولم يخبر بما وعدهم ، فأين الخبر عن الموعود؟

قيل : بلى إنه قد أخبر عن الموعود ، والموعود هو قوله : "لهم مغفرة وأجر عظيم" . [ ص: 99 ]

فإن قال : فإن قوله : "لهم مغفرة وأجر عظيم" خبر مبتدأ ، ولو كان هو الموعود لقيل : "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما ، ولم يدخل في ذلك "لهم" ، وفي دخول ذلك فيه دلالة على ابتداء الكلام ، وانقضاء الخبر عن الوعد!

قيل : إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت ، فإنه مما اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه من ذكر بعض قد ترك ذكره فيه ، وذلك أن معنى الكلام : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يغفر لهم ويأجرهم أجرا عظيما لأن من شأن العرب أن يصحبوا "الوعد" "أن" ويعملوه فيها ، فتركت "أن" إذ كان "الوعد" قولا . ومن شأن "القول" أن يكون ما بعده من جمل الأخبار مبتدأ ، وذكر بعده جملة الخبر اجتزاء بدلالة ظاهر الكلام على معناه ، وصرفا للوعد الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفا إلى معناه ، فكأنه قيل : "قال الله : للذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجر عظيم" .

وكان بعض نحويي البصرة يقول ، إنما قيل : "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم" ، في الوعد الذي وعدوا فكأن معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ، [ فيما وعدهم به ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية