صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )

قال أبو جعفر : وهذه الآية أنزلت إعلاما من الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به أخلاق الذين هموا ببسط أيديهم إليهم من اليهود . كالذي : -

11567 - حدثنا الحارث بن محمد قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن في قوله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل" قال : اليهود من أهل الكتاب .

وأن الذي هموا به من الغدر ونقض العهد الذي بينهم وبينه ، من صفاتهم وصفات أوائلهم وأخلاقهم وأخلاق أسلافهم قديما واحتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود ، بإطلاعه إياه على ما كان علمه عندهم دون العرب من خفي أمورهم ومكنون علومهم وتوبيخا لليهود في تماديهم في الغي ، وإصرارهم على الكفر ، مع علمهم بخطإ ما هم عليه مقيمون .

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا تستعظموا أمر الذين هموا ببسط أيديهم إليكم من هؤلاء اليهود بما هموا به لكم ، ولا أمر الغدر الذي حاولوه وأرادوه بكم ، فإن ذلك من أخلاق أوائلهم وأسلافهم ، لا يعدون أن يكونوا على منهاج أولهم وطريق سلفهم . ثم ابتدأ الخبر عز ذكره عن بعض غدراتهم وخياناتهم وجراءتهم على ربهم ونقضهم ميثاقهم الذي واثقهم عليه بارئهم ، مع نعمه التي خصهم بها ، [ ص: 110 ] وكراماته التي طوقهم شكرها ، فقال : ولقد أخذ الله ميثاق سلف من هم ببسط يده إليكم من يهود بني إسرائيل ، يا معشر المؤمنين بالوفاء له بعهوده وطاعته فيما أمرهم ونهاهم ، كما : -

11568 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل" قال : أخذ الله مواثيقهم أن يخلصوا له ، ولا يعبدوا غيره .

" وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " يعني بذلك : وبعثنا منهم اثني عشر كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه .

و"النقيب" في كلام العرب كالعريف على القوم ، غير أنه فوق "العريف" . يقال منه : "نقب فلان على بني فلان فهو ينقب نقبا فإذا أريد أنه لم يكن نقيبا فصار نقيبا ، قيل : "قد نقب فهو ينقب نقابة" ومن"العريف" : "عرف عليهم يعرف عرافة" . فأما"المناكب" فإنهم كالأعوان يكونون مع العرفاء ، واحدهم "منكب" .

وكان بعض أهل العلم بالعربية يقول : هو الأمين الضامن على القوم .

فأما أهل التأويل فإنهم قد اختلفوا بينهم في تأويله . [ ص: 111 ]

فقال بعضهم : هو الشاهد على قومه .

ذكر من قال ذلك :

11569 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " ، من كل سبط رجل شاهد على قومه .

وقال آخرون : "النقيب" ، الأمين .

ذكر من قال ذلك :

11570 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : "النقباء" الأمناء .

11571 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

وإنما كان الله عز ذكره أمر موسى نبيه صلى الله عليه وسلم ببعثة النقباء الاثني عشر من قومه بني إسرائيل إلى أرض الجبابرة بالشأم ، ليتحسسوا لموسى أخبارهم إذ أراد هلاكهم ، وأن يورث أرضهم وديارهم موسى وقومه ، وأن يجعلها مساكن لبني إسرائيل بعد ما أنجاهم من فرعون وقومه ، وأخرجهم من أرض مصر ، فبعث موسى الذين أمره الله ببعثهم إليها من النقباء ، كما :

11572 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أمر الله بني إسرائيل بالسير إلى أريحا ، وهي أرض بيت المقدس ، فساروا حتى إذا كانوا قريبا منهم بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل . فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبابرة ، فلقيهم رجل [ ص: 112 ] من الجبارين يقال له"عاج" ، فأخذ الاثني عشر ، فجعلهم في حجزته وعلى رأسه حملة حطب . فانطلق بهم إلى امرأته فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا!! فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي! فقالت امرأته : بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا . ففعل ذلك . فلما خرج القوم ، قال بعضهم لبعض : يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم ، ارتدوا عن نبي الله عليه السلام ، ولكن اكتموه وأخبروا نبيي الله ، فيكونان هما يريان رأيهما! فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ليكتموه ، ثم رجعوا فانطلق عشرة منهم فنكثوا العهد ، فجعل الرجل يخبر أخاه وأباه بما رأى من [ أمر ] "عاج" وكتم رجلان منهم ، فأتوا موسى ، وهارون ، فأخبروهما الخبر ، فذلك حين يقول الله : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" .

11573 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "اثني عشر نقيبا" من كل سبط من بني إسرائيل رجل ، أرسلهم موسى إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منهم يلقونهم إلقاء ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس [ ص: 113 ] منهم في خشبة ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربع . فرجع النقباء كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم إلا يوشع بن نون وكلاب بن يافنة ، يأمران الأسباط بقتال الجبابرة وبجهادهم ، فعصوا هذين وأطاعوا الآخرين .

11574 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه إلا أنه قال : "من بني إسرائيل رجال" وقال أيضا : "يلقونهما" .

11575 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أمر موسى أن يسير ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ، وقال : إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها ، وجاهد من فيها من العدو ، فإني ناصركم عليهم ، وخذ من قومك اثني عشر نقيبا من كل سبط نقيبا يكون على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به ، وقل لهم : إن الله يقول لكم : ( إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ) . . . إلى قوله : ( فقد ضل سواء السبيل ) وأخذ موسى منهم اثني عشر نقيبا اختارهم من الأسباط كفلاء على قومهم بما هم فيه ، على الوفاء بعهده وميثاقه . وأخذ من كل سبط منهم خيرهم وأوفاهم رجلا . يقول الله عز وجل : "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله ، حتى إذا نزل التيه بين مصر والشام وهي بلاد ليس فيها خمر [ ص: 114 ] ولا ظل دعا موسى ربه حين آذاهم الحر ، فظلل عليهم بالغمام ، ودعا لهم بالرزق ، فأنزل الله عليهم المن والسلوى . وأمر الله موسى فقال : أرسل رجالا يتحسسون إلى أرض كنعان التي وهبت لبني إسرائيل من كل سبط رجلا . فأرسل موسى الرءوس كلهم الذين فيهم ، [ فبعث الله جل وعز من برية فاران بكلام الله ، وهم رءوس بني إسرائيل ] . وهذه أسماء الرهط الذين بعث الله جل ثناؤه من بني إسرائيل إلى أرض الشام ، فيما يذكر أهل التوراة ليجوسوها لبني إسرائيل من سبط روبيل : " شامون بن زكور " ومن سبط شمعون : " شافاط بن حرى " ومن سبط يهوذا : " كالب بن يوفنا ومن سبط [ ص: 115 ] أتين : " يجائل بن يوسف " ومن سبط يوسف : وهو سبط أفرائيم : " يوشع بن نون " ومن سبط بنيامين " فلط بن رفون " ومن سبط زبالون : " جدى بن سودى ومن سبط منشا بن يوسف : " جدى بن سوسا ومن سبط دان : " حملائل بن جمل " ومن سبط أشر : ساتور بن ملكيل " ومن [ ص: 116 ] سبط نفتالى : " نحى بن وفسى " ومن سبط جاد : " جولايل بن ميكى " .

فهذه أسماء الذين بعثهم موسى يتحسسون له الأرض ويومئذ سمى" هوشع بن نون " : " يوشع بن نون " فأرسلهم وقال لهم : ارتفعوا قبل الشمس ، فارقوا الجبل ، وانظروا ما في الأرض ، وما الشعب الذي يسكنون ، أقوياء هم أم ضعفاء ، أقليل هم أم كثير؟ وانظروا أرضهم التي يسكنون : أسمينة هي [ أم هزيلة ] ؟ أذات شجر أم لا؟ اجتازوا ، واحملوا إلينا من ثمرة تلك الأرض . وكان ذلك في أول ما أشجن بكر ثمرة العنب . [ ص: 117 ]

11576 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" فهم من بني إسرائيل ، بعثهم موسى لينظروا له إلى المدينة . فانطلقوا فنظروا إلى المدينة ، فجاءوا بحبة من فاكهتهم وقر رجل ، فقالوا : [ ص: 118 ] اقدروا قوة قوم وبأسهم ، هذه فاكهتهم! فعند ذلك فتنوا فقالوا : لا نستطيع القتال ، ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) [ سورة المائدة : 24 ] .

11577 - حدثت عن الحسين بن الفرج المروزي قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول في قوله : "وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" أمر الله بني إسرائيل أن يسيروا إلى الأرض المقدسة مع نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم ، فلما كانوا قريبا من المدينة قال لهم موسى : ادخلوها ! فأبوا وجبنوا ، وبعثوا اثني عشر نقيبا لينظروا إليهم ، فانطلقوا فنظروا ، فجاءوا بحبة من فاكهتهم بوقر الرجل ، فقالوا : اقدروا قوة قوم وبأسهم ، هذه فاكهتهم!! فعند ذلك قالوا لموسى : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية