[ ص: 190 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( 
قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض  ) 
قال 
أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في الناصب ل"الأربعين" . 
فقال بعضهم : الناصب له قوله : "محرمة" ، وإنما حرم الله جل وعز على القوم الذين عصوه وخالفوا أمره من قوم 
موسى  وأبوا حرب الجبارين دخول مدينتهم أربعين سنة ، ثم فتحها عليهم وأسكنهموها ، وأهلك الجبارين بعد حرب منهم لهم ، بعد أن انقضت الأربعون سنة وخرجوا من التيه . 
11690 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الله بن أبي جعفر ،  عن 
أبيه ،  عن 
الربيع  قال : لما قال لهم القوم ما قالوا ، ودعا 
موسى  عليهم ، أوحى الله إلى 
موسى   : " 
إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين  " ، وهم يومئذ ، فيما ذكر ، ستمائة ألف مقاتل . فجعلهم "فاسقين" بما عصوا . فلبثوا أربعين سنة في فراسخ ستة ، أو دون ذلك ، يسيرون كل يوم جادين لكي يخرجوا منها ، حتى سئموا ونزلوا ، فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا وإنهم اشتكوا إلى 
موسى  ما فعل بهم ، فأنزل عليهم المن والسلوى ، وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم ، وينشأ الناشئ فتكون معه على هيئته . وسأل 
موسى  ربه أن  
[ ص: 191 ] يسقيهم ، فأتى بحجر 
الطور ،  وهو حجر أبيض ، إذا ما نزل القوم ضربه بعصاه ، فيخرج منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط منهم عين ، قد علم كل أناس مشربهم . حتى إذا خلت أربعون سنة ، وكانت عذابا بما اعتدوا وعصوا ، أوحى إلى 
موسى   : أن مرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة ، فإن الله قد كفاهم عدوهم ، وقل لهم إذا أتوا المسجد : أن يأتوا الباب ، ويسجدوا إذا دخلوا ، ويقولوا : "حطة" وإنما قولهم : "حطة" ، أن يحط عنهم خطاياهم فأبى عامة القوم وعصوا ، وسجدوا على خدهم ، وقالوا : "حنطة" ، فقال الله جل ثناؤه : ( 
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم إلى 
بما كانوا يفسقون  ) [ سورة البقرة : 59 ] . 
وقال آخرون : بل الناصب ل"الأربعين" ، "يتيهون في الأرض" . قالوا : ومعنى الكلام : قال : فإنها محرمة عليهم أبدا ، يتيهون في الأرض أربعين سنة . قالوا : ولم يدخل مدينة الجبارين أحد ممن قال : " 
إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون  " ، وذلك أن الله عز ذكره حرمها عليهم . قالوا : وإنما دخلها من أولئك القوم 
يوشع  وكلاب ،  اللذان قالا لهم : " 
ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون  " ، وأولاد الذين حرم الله عليهم دخولها ، فتيههم الله فلم يدخلها منهم أحد . 
ذكر من قال ذلك : 
11691 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
سليمان بن حرب  قال : حدثنا 
أبو هلال ،  عن 
قتادة  في قول الله جل وعز : " 
إنها محرمة عليهم  " ، قال : أبدا . 
11692 - حدثنا 
ابن بشار  قال : حدثنا 
سليمان بن حرب  قال : حدثنا 
أبو هلال ،  عن 
قتادة  في قول الله : " 
يتيهون في الأرض  " ، قال : أربعين سنة . 
11693 - حدثنا 
المثنى  قال : حدثنا 
مسلم بن إبراهيم  قال : حدثنا 
هارون  [ ص: 192 ] النحوي  قال : حدثني 
الزبير بن الخريت ،  عن 
عكرمة  في قوله : " 
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض  " ، قال : التحريم ، التيهاء . 
11694 - حدثنا 
موسى بن هارون  قال : حدثنا 
عمرو بن حماد  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قال : غضب 
موسى  على قومه فدعا عليهم فقال : " 
رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي  " الآية ، فقال الله جل وعز : " 
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض  " . فلما ضرب عليهم التيه ، ندم 
موسى   . وأتاه قومه الذين كانوا [ معه ] يطيعونه ، فقالوا له : ما صنعت بنا يا 
موسى   ! فمكثوا في التيه . فلما خرجوا من التيه ، رفع المن والسلوى وأكلوا من البقول . والتقى 
موسى  وعاج ،  فنزا 
موسى  في السماء عشرة أذرع ، وكانت عصاه عشرة أذرع ، وكان طوله عشرة أذرع فأصاب كعب 
عاج  فقتله . ولم يبق [ أحد ] ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع 
موسى ،  إلا مات ولم يشهد الفتح . ثم إن الله جل وعز لما انقضت الأربعون سنة ، بعث 
يوشع بن النون  نبيا ، فأخبرهم أنه نبي ، وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين ، فبايعوه وصدقوه ، فهزم الجبارين واقتحموا عليهم يقتلونهم ،  
[ ص: 193 ] فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها . 
11695 - حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=14316عبد الكريم بن الهيثم  قال : حدثنا 
إبراهيم بن بشار  قال : حدثنا 
سفيان  قال : قال 
أبو سعيد ،  عن 
عكرمة ،  عن 
ابن عباس  قال : قال الله جل وعز لما دعا 
موسى   : " 
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض  " . قال : فدخلوا التيه ، فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه . 
قال : فمات 
موسى  في التيه ، ومات 
هارون  قبله . قال : فلبثوا في تيههم أربعين سنة ، فناهض 
يوشع  بمن بقي معه مدينة الجبارين ، فافتتح 
يوشع  المدينة  . 
11696 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قال الله جل وعز : " 
إنها محرمة عليهم أربعين سنة  " ، حرمت عليهم [ القرى ] ، فكانوا لا يهبطون قرية ولا يقدرون على ذلك ، إنما يتبعون الأطواء أربعين سنة ، وذكر لنا أن 
موسى  صلى الله عليه وسلم مات في الأربعين سنة ، وأنه لم يدخل 
بيت المقدس  منهم إلا أبناؤهم والرجلان اللذان قالا ما قالا . 
11697 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة ،  عن 
ابن إسحاق  قال : حدثني بعض أهل العلم بالكتاب الأول قال : لما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من  
[ ص: 194 ] معصيتهم نبيهم ، وهمهم 
بكالب  ويوشع ،  إذ أمراهم بدخول مدينة الجبارين ، وقالا لهم ما قالا ظهرت عظمة الله بالغمام على باب قبة الزمر على كل بني إسرائيل ، فقال جل ثناؤه 
لموسى   : إلى متى يعصيني هذا الشعب؟ وإلى متى لا يصدقون بالآيات كلها التي وضعت بينهم؟ أضربهم بالموت فأهلكهم ، وأجعل لك شعبا أشد وأكبر منهم؟ فقال 
موسى   : يسمع أهل المصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوتك من بينهم ، ويقول ساكن هذه البلاد الذين قد سمعوا أنك أنت الله في هذا الشعب ، فلو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد ، لقالت الأمم الذين سمعوا باسمك : "إنما قتل هذا الشعب من أجل الذين لا يستطيع أن يدخلهم الأرض التي خلق لهم ، فقتلهم في البرية" ، ولكن لترتفع أياديك ويعظم جزاؤك ، يا رب ، كما كنت تكلمت وقلت لهم ، فإنه طويل صبرك ، كثيرة نعمك ، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق ، وإنك تحفظ [ ذنب ] الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة . فاغفر ، أي رب ، آثام هذا الشعب بكثرة  
[ ص: 195 ] نعمك ، وكما غفرت لهم منذ أخرجتهم من 
أرض مصر  إلى الآن . فقال الله جل ثناؤه 
لموسى  صلى الله عليه : قد غفرت لهم بكلمتك ، ولكن حي أنا ، وقد ملأت الأرض محمدتي كلها ، لا يرى القوم الذين قد رأوا محمدتي وآياتي التي فعلت في أرض مصر وفي القفار ، وابتلوني عشر مرات ولم يطيعوني ، لا يرون الأرض التي حلفت لآبائهم ، ولا يراها من أغضبني ، فأما عبدي 
كالب  الذي كان روحه معي واتبع هواي ، فإني مدخله الأرض التي دخلها ، ويراها خلفه . 
وكان 
العماليق  والكنعانيون  جلوسا في الجبال ، ثم غدوا فارتحلوا إلى القفار في طريق بحر سوف ، وكلم الله عز وجل 
موسى  وهارون ،  وقال لهما : إلى متى توسوس علي هذه الجماعة جماعة السوء؟ قد سمعت وسوسة بني إسرائيل . وقال :  
[ ص: 196 ] لأفعلن بكم كما قلت لكم ، ولتلقين جيفكم في هذه القفار ، وكحسابكم من بني عشرين سنة فما فوق ذلك ، من أجل أنكم وسوستم علي ، فلا تدخلوا الأرض التي رفعت [ يدي ] إليها ، ولا ينزل فيها أحد منكم غير 
كالب بن يوفنا ،  ويوشع بن نون ،  وتكون أثقالكم كما كنتم الغنيمة ، وأما بنوكم اليوم الذين لم يعلموا ما بين الخير والشر ، فإنهم يدخلون الأرض ، وإني بهم عارف ، لهم الأرض التي أردت لهم ، وتسقط جيفكم في هذه القفار ، وتتيهون في هذه القفار على حساب الأيام التي حسستم الأرض أربعين يوما ، مكان كل يوم سنة وتقتلون بخطاياكم أربعين سنة ، وتعلمون أنكم وسوستم قدامي . إنى أنا الله فاعل بهذه الجماعة جماعة بني إسرائيل الذين وعدوا قدامي بأن يتيهوا في القفار ، فيها يموتون . 
فأما الرهط الذين كان 
موسى  بعثهم ليتحسسوا الأرض ، ثم حرشوا الجماعة ، فأفشوا فيهم خبر الشر ، فماتوا كلهم بغتة ، وعاش 
يوشع  وكالب بن يوفنا  من الرهط الذين انطلقوا يتحسسون الأرض . 
فلما قال 
موسى  عليه السلام هذا الكلام كله لبني إسرائيل ، حزن الشعب  
[ ص: 197 ] حزنا شديدا ، وغدوا فارتفعوا ، إلى رأس الجبل ، وقالوا : نرتقي الأرض التي قال جل ثناؤه ، من أجل أنا قد أخطأنا . فقال لهم 
موسى   : "لم تعتدون في كلام الله؟ من أجل ذلك لا يصلح لكم عمل ، ولا تصعدوا من أجل أن الله ليس معكم ، فالآن تنكسرون من قدام أعدائكم ، من أجل 
العمالقة  والكنعانيين  أمامكم ، فلا تقعوا في الحرب من أجل أنكم انقلبتم على الله ، فلم يكن الله معكم" . فأخذوا يرقون في الجبل ، ولم يبرح التابوت الذي فيه مواثيق الله جل ذكره 
وموسى  من المحلة - يعني : من الخيمة - حتى هبط 
العماليق  والكنعانيون  في ذلك الحائط ، فحرقوهم وطردوهم وقتلوهم . فتيههم الله عز ذكره في التيه أربعين سنة بالمعصية ، حتى هلك من كان استوجب المعصية من الله في ذلك . قال : فلما شب النواشئ من ذراريهم وهلك آباؤهم ، وانقضت الأربعون سنة التي تيهوا فيها ، وسار بهم 
موسى  ومعه 
يوشع بن نون  وكالب بن يوفنا ،  وكان - فيما يزعمون - على 
مريم ابنة عمران  أخت 
موسى  وهارون ،  وكان لهما صهرا ، قدم 
يوشع بن نون  إلى 
أريحا ،  في بني إسرائيل ، فدخلها بهم ، وقتل بها الجبابرة الذين  
[ ص: 198 ] كانوا فيها ، ثم دخلها 
موسى  ببني إسرائيل ، فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم ، ثم قبضه الله إليه ، لا يعلم قبره أحد من الخلائق . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : إن"الأربعين" منصوبة ب"التحريم" ، وإن قوله : " 
محرمة عليهم أربعين سنة  " معني به جميع قوم 
موسى ،  لا بعض دون بعض منهم . لأن الله عز ذكره عم بذلك القوم ، ولم يخصص منهم بعضا دون بعض . وقد وفى الله جل ثناؤه بما وعدهم به من العقوبة ، فتيههم أربعين سنة ، وحرم على جميعهم ، في الأربعين سنة التي مكثوا فيها تائهين دخول الأرض المقدسة ، فلم يدخلها منهم أحد ، لا صغير ولا كبير ، ولا صالح ولا طالح ، حتى انقضت السنون التي حرم الله عز وجل عليهم فيها دخولها . ثم أذن لمن بقي منهم وذراريهم بدخولها مع نبي الله 
موسى  والرجلين اللذين أنعم الله عليهما ، وافتتح قرية الجبارين ، إن شاء الله ، نبي الله 
موسى  صلى الله عليه وسلم ، وعلى مقدمته 
يوشع ،  وذلك لإجماع أهل العلم بأخبار الأولين أن 
عوج بن عناق  قتله 
موسى  صلى الله عليه وسلم . فلو كان قتله إياه قبل مصيره في التيه ، وهو من أعظم الجبارين خلقا ، لم تكن بنو إسرائيل تجزع من الجبارين الجزع الذي ظهر منها . ولكن ذلك كان - إن شاء الله - بعد فناء الأمة التي جزعت وعصت ربها ، وأبت الدخول على الجبارين مدينتهم . 
وبعد : فإن أهل العلم بأخبار الأولين مجمعون على أن 
بلعم بن باعور ،  كان ممن أعان الجبارين بالدعاء على 
موسى   . ومحال أن يكون ذلك كان وقوم 
موسى  ممتنعون من حربهم وجهادهم ، لأن المعونة إنما يحتاج إليها من كان مطلوبا ، فأما ولا طالب ، فلا وجه للحاجة إليها .  
[ ص: 199 ] 
11698 - حدثنا 
ابن بشار  قال : حدثنا 
مؤمل  قال : حدثنا 
سفيان ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
نوف  قال : كان سرير 
عوج  ثمانمائة ذراع ، وكان طول 
موسى  عشرة أذرع ، وعصاه عشرة أذرع ، ووثب في السماء عشرة أذرع ، فضرب 
عوجا  فأصاب كعبه ، فسقط ميتا ، فكان جسرا للناس يمرون عليه . 
11699 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
ابن عطية  قال : حدثنا 
قيس ،  عن 
أبي إسحاق ،  عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس  قال : كانت 
عصا موسى  عشرة أذرع ، ووثبته عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، فوثب فأصاب كعب 
عوج  فقتله ، فكان جسرا لأهل النيل سنة  . 
ومعنى : "يتيهون في الأرض " ، يحارون فيها ويضلون ومن ذلك قيل للرجل الضال عن سبيل الحق : "تائه" . وكان تيههم ذلك : أنهم كانوا يصبحون أربعين سنة كل يوم جادين في قدر ستة فراسخ للخروج منه ، فيمسون في الموضع الذي ابتدءوا السير منه . 
11700 - حدثني بذلك 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الله بن أبي جعفر ،  عن 
أبيه ،  عن 
الربيع   . 
11701 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا  
[ ص: 200 ] عيسى ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد  قال : تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة ، يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا في تيههم  .