القول في تأويل 
قوله تعالى ( أنهم ملاقوا ربهم  ) 
قال 
أبو جعفر   : إن قال لنا قائل : وكيف قيل إنهم ملاقو ربهم ، فأضيف " الملاقون " إلى الرب تبارك وتعالى ، وقد علمت أن معناه : الذين يظنون أنهم يلقون ربهم ؟ وإذ كان المعنى كذلك ، فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبات النون ، وإنما تسقط النون وتضيف ، في الأسماء المبنية من الأفعال ، إذا كانت بمعنى " فعل " ، فأما إذا كانت بمعنى " يفعل وفاعل " ، فشأنها إثبات النون ، وترك الإضافة . 
قيل : لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها في إجازة إضافة الاسم المبني من " فعل ويفعل " ، وإسقاط النون وهو بمعنى " يفعل وفاعل " ، أعني بمعنى الاستقبال وحال الفعل ولما ينقض ، فلا وجه لمسألة السائل عن ذلك : لم قيل ؟ وإنما اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله أضيف وأسقطت النون . 
فقال نحويو 
البصرة   : أسقطت النون من : ( ملاقو ربهم ) وما أشبهه من الأفعال التي في لفظ الأسماء وهي في معنى " يفعل " وفي معنى ما لم ينقض استثقالا لها ، وهي مرادة كما قال جل ثناؤه : ( 
كل نفس ذائقة الموت  ) [ سورة آل عمران : 185 الأنبياء : 35 العنكبوت : 57 ] ، وكما قال : ( 
إنا مرسلو الناقة فتنة لهم  ) [ القمر : 27 ] ولما يرسلها بعد ; وكما قال الشاعر : 
 [ ص: 21 ] هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق ؟ 
فأضاف " باعثا " إلى " الدينار " ، ولما يبعث ، ونصب " عبد رب " عطفا على موضع دينار ، لأنه في موضع نصب وإن خفض ، وكما قال الآخر : 
الحافظو عورة العشيرة ، لا     يأتيهم من ورائهم نطف 
بنصب " العورة " وخفضها ، فالخفض على الإضافة ، والنصب على حذف النون استثقالا وهي مرادة . وهذا قول نحويي 
البصرة   . 
وأما نحويو 
الكوفة  فإنهم قالوا : جائز في ( ملاقو ) الإضافة ، وهي في معنى يلقون ، وإسقاط النون منه لأنه في لفظ الأسماء ، فله في الإضافة إلى الأسماء حظ الأسماء . وكذلك حكم كل اسم كان له نظير . قالوا : وإذا أثبت في شيء من ذلك النون وتركت الإضافة ، فإنما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لم يكن ولم يجب بعد . قالوا : فالإضافة فيه للفظ ، وترك الإضافة للمعنى .  
[ ص: 22 ] فتأويل الآية إذا : واستعينوا على الوفاء بعهدي بالصبر عليه والصلاة ، وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخائفين عقابي ، المتواضعين لأمري ، الموقنين بلقائي والرجوع إلي بعد مماتهم . 
وإنما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبيرة إلا على من هذه صفته ; لأن من كان غير موقن بمعاد ولا مصدق بمرجع ولا ثواب ولا عقاب ، فالصلاة عنده عناء وضلال ، لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضر ، وحق لمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة عليه كبيرة ، وإقامتها عليه ثقيلة ، وله فادحة . 
وإنما خفت على المؤمنين المصدقين بلقاء الله ، الراجين عليها جزيل ثوابه ، الخائفين بتضييعها أليم عقابه ، لما يرجون بإقامتها في معادهم من الوصول إلى ما وعد الله عليها أهلها ، ولما يحذرون بتضييعها ما أوعد مضيعها . فأمر الله جل ثناؤه أحبار بني إسرائيل الذين خاطبهم بهذه الآيات أن يكونوا من مقيميها الراجين ثوابها إذا كانوا أهل يقين بأنهم إلى الله راجعون ، وإياه في القيامة ملاقون .