صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار "هل أنبئكم " ، يا معشر أهل الكتاب ، بشر من ثواب ما تنقمون منا من إيماننا بالله وما أنزل إلينا من كتاب الله ، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟

[ و"مثوبة " ، تقديرها مفعولة" ] ، غير أن عين الفعل لما سقطت نقلت حركتها إلى"الفاء " ، وهي"الثاء " من"مثوبة " ، فخرجت مخرج "مقولة " ، و"محورة " ، و"مضوفة " ،

كما قال الشاعر :

[ ص: 436 ]

وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري



وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12220 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " ، يقول : ثوابا عند الله .

12221 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " قال : "المثوبة " ، الثواب ، "مثوبة الخير " ، و"مثوبة الشر " ، وقرأ : ( خير ثوابا ) [ سورة الكهف : 44 ] . [ ص: 437 ]

وأما "من " في قوله : " من لعنه الله " ، فإنه في موضع خفض ، ردا على قوله : "بشر من ذلك" . فكأن تأويل الكلام ، إذ كان ذلك كذلك : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ، بمن لعنه الله .

ولو قيل : هو في موضع رفع ، لكان صوابا ، على الاستئناف ، بمعنى : ذلك من لعنه الله أو : وهو من لعنه الله .

ولو قيل : هو في موضع نصب ، لم يكن فاسدا ، بمعنى : قل هل أنبئكم من لعنه الله فيجعل " أنبئكم " عاملا في"من " ، واقعا عليه .

وأما معنى قوله : " من لعنه الله " ، فإنه يعني : من أبعده الله وأسحقه من رحمته " وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير " ، يقول : وغضب عليه ، وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير ، غضبا منه عليهم وسخطا ، فعجل لهم الخزي والنكال في الدنيا .

[ ص: 438 ] وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم قردة ، فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا ، وسنذكر بقيته إن شاء الله في مكان غير هذا .

وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم خنازير ، فإنه كان فيما : -

12223 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن عمر بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ، قال : حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير ، كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل ، وكان فيها ملك بني إسرائيل ، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة ، إلا أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة به ، فجعلت تدعو إلى الله ، حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها قالت لهم : إنه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله ، وأن تنادوا قومكم بذلك ، فاخرجوا فإني خارجة . فخرجت ، وخرج إليها ذلك الملك في الناس ، فقتل أصحابها جميعا ، وانفلتت من بينهم . قال : ودعت إلى الله حتى تجمع الناس إليها ، حتى إذا رضيت منهم ، أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت معهم ، وأصيبوا جميعا وانفلتت من بينهم . ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها ، أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت ، فأصيبوا جميعا ، وانفلتت من بينهم ، فرجعت وقد أيست ، وهي تقول : سبحان الله ، لو كان لهذا الدين ولي وناصر ، لقد أظهره بعد! قال : فباتت محزونة ، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير ، قد مسخهم الله في ليلتهم تلك ، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت : اليوم أعلم أن الله قد أعز دينه وأمر دينه! قال : فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة .

[ ص: 439 ] 12224 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وجعل منهم القردة والخنازير " ، قال : مسخت من يهود .

12225 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وللمسخ سبب فيما ذكر غير الذي ذكرناه ، سنذكره في موضعه إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية