[ ص: 467 ] القول في تأويل قوله ( 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين  ( 67 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه 
محمدا  صلى الله عليه وسلم ، بإبلاغ هؤلاء 
اليهود  والنصارى  من أهل الكتابين الذين قص تعالى ذكره قصصهم في هذه السورة ، وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم ، واجتراءهم على ربهم ، وتوثبهم على أنبيائهم ، وتبديلهم كتابه ، وتحريفهم إياه ، ورداءة مطاعمهم ومآكلهم ، وسائر المشركين غيرهم ، ما أنزل عليه فيهم من معايبهم ، والإزراء عليهم ، والتقصير بهم ، والتهجين لهم ، وما أمرهم به ونهاهم عنه ، وأن لا يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبوه في نفسه بمكروه ما قام فيهم بأمر الله ، ولا جزعا من كثرة عددهم وقلة عدد من معه ، وأن لا يتقي أحدا في ذات الله ، فإن الله تعالى ذكره كافيه كل أحد من خلقه ، ودافع عنه مكروه كل من يبغي مكروهه . وأعلمه تعالى ذكره أنه إن قصر عن إبلاغ شيء مما أنزل إليه إليهم ، فهو في تركه تبليغ ذلك وإن قل ما لم يبلغ منه فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذنب بمنزلته لو لم يبلغ من تنزيله شيئا . 
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك :  
[ ص: 468 ]  12270 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال ، حدثني 
معاوية ،  عن 
علي بن أبي طلحة ،  عن 
ابن عباس  قوله : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته  " ، يعني : إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك ، لم تبلغ رسالاتي . 
12271 - حدثنا 
بشر بن معاذ  قال ، حدثنا 
يزيد  قال ، حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك  " ، الآية ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس ، ويعصمه منهم ، وأمره بالبلاغ . ذكر لنا 
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له : لو احتجبت! فقال : والله لأبدين عقبي للناس ما صاحبتهم  . 
12272 - حدثني 
الحارث بن محمد  قال ، حدثنا 
عبد العزيز  قال ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ،  عن رجل ، عن 
مجاهد  قال : لما نزلت : " 
بلغ ما أنزل إليك من ربك  " ، قال : إنما أنا واحد ، كيف أصنع؟ تجمع علي الناس! فنزلت : " 
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته  " ، الآية . 
12273 - حدثنا 
هناد   nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع  قالا : حدثنا 
جرير ،  عن 
ثعلبة ،  عن 
جعفر ،  عن 
سعيد بن جبير  قال : 
لما نزلت : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس  " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحرسوني ، إن ربي قد عصمني  .  
[ ص: 469 ]  12274 - حدثني 
يعقوب بن إبراهيم   nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع  قالا : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
الجريري ،  عن 
عبد الله بن شقيق   : 
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتقبه ناس من أصحابه ، فلما نزلت : " والله يعصمك من الناس  " ، خرج فقال : يا أيها الناس ، الحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني من الناس  . 
12275 - حدثنا 
هناد  قال ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ،  عن 
عاصم بن محمد ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحارسه أصحابه ، فأنزل الله تعالى ذكره : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته  " ، إلى آخرها  . 
12276 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
مسلم بن إبراهيم  قال ، حدثنا 
الحارث بن عبيدة أبو قدامة الإيادي  قال ، حدثنا 
سعيد الجريري ،  عن 
عبد الله بن شقيق ،  عن 
عائشة  قالت : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810461كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس ، حتى نزلت هذه الآية : "والله يعصمك من الناس " ، قالت : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال : "أيها الناس ، انصرفوا ، فقد عصمني الله 
.  
[ ص: 470 ]  12277 - حدثنا 
عمرو بن عبد الحميد  قال ، حدثنا 
سفيان ،  عن 
عاصم ،  عن 
القرظي   : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810462أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحرس ، حتى أنزل الله : " والله يعصمك من الناس  " . 
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية . 
فقال بعضهم : نزلت بسبب أعرابي كان هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكفاه الله إياه . 
ذكر من قال ذلك : 
12278 - حدثني 
الحارث  قال ، حدثنا 
عبد العزيز  قال ، حدثنا 
أبو معشر ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي  وغيره قال : 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة ، فيقيل تحتها . فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني؟ قال : الله! فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله : " والله يعصمك من الناس  " .  [ ص: 471 ] وقال آخرون : بل نزلت لأنه كان يخاف 
قريشا ،  فأومن من ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
12279 - حدثنا 
القاسم  قال ، حدثنا 
الحسين  قال ، حدثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : 
كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا ،  فلما نزلت : " والله يعصمك من الناس  " ، استلقى ثم قال : "من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثا  . 
12280 - حدثنا 
هناد  قال ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ،  عن 
ابن أبي خالد ،  عن 
عامر ،  عن 
مسروق  قال ، قالت 
عائشة   : من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب! ثم قرأت : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك  " ، الآية . 
12281 - حدثنا 
ابن حميد  قال ، حدثنا 
جرير ،  عن 
المغيرة ،  عن 
الشعبي  قال ، قالت 
عائشة   : من قال إن 
محمدا  صلى الله عليه وسلم كتم ، فقد كذب وأعظم الفرية على الله! قال الله تعالى ذكره : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك  " الآية . 
12282 - حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  قال : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ،  عن 
الشعبي ،  عن 
مسروق  قال ، قالت 
عائشة   : من زعم أن 
محمدا  صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله ، فقد أعظم على الله الفرية! والله يقول : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك  " ، الآية . 
12283 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال ، حدثني 
الليث  قال ، حدثني 
خالد ،  عن 
سعيد بن أبي هلال ،  عن 
محمد بن الجهم ،   [ ص: 472 ] عن 
مسروق بن الأجدع  قال : دخلت على 
عائشة  يوما فسمعتها تقول : لقد أعظم الفرية من قال إن 
محمدا  كتم شيئا من الوحي! والله يقول : " 
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك  " . 
ويعني بقوله : " 
والله يعصمك من الناس  " ، يمنعك من أن ينالوك بسوء . وأصله من "عصام القربة " ، وهو ما توكى به من سير وخيط ، 
ومنه قول الشاعر : 
وقلت : عليكم مالكا ، إن مالكا سيعصمكم ، إن كان في الناس عاصم 
يعني : يمنعكم . 
وأما قوله : " 
إن الله لا يهدي القوم الكافرين  " ، فإنه يعني : إن الله لا يوفق للرشد من حاد عن سبيل الحق ، وجار عن قصد السبيل ، وجحد ما جئته به من عند الله ، ولم ينته إلى أمر الله وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه .