صفحة جزء
[ ص: 74 ] القول في تأويل قوله ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - : وحرم الله عليكم ، أيها المؤمنون ، صيد البر " ما دمتم حرما " يقول : ما كنتم محرمين ، لم تحلوا من إحرامكم .

ثم اختلف أهل العلم في المعنى الذي عنى الله - تعالى ذكره - بقوله : " وحرم عليكم صيد البر " .

فقال بعضهم : عنى بذلك : أنه حرم علينا كل معاني صيد البر : من اصطياد ، وأكل ، وقتل ، وبيع ، وشراء ، وإمساك ، وتملك .

ذكر من قال ذلك :

12740 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن أبيه قال : حج عثمان بن عفان ، فحج علي معه ، قال : فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه ، ولم يأكل علي ، فقال عثمان : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا! فقال علي : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " . [ ص: 75 ]

12741 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن صبيح بن عبد الله العبسي قال : بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض ، فنزل قديدا ، فمر به رجل من أهل الشام معه باز وصقر ، فاستعاره منه ، فاصطاد به من اليعاقيب ، فجعلهن في حظيرة . فلما مر به عثمان طبخهن ، ثم قدمهن إليه ، فقال عثمان : كلوا! فقال بعضهم : حتى يجيء علي بن أبي طالب ، رحمة الله عليه . فلما جاء فرأى ما بين أيديهم ، قال علي : إنا لن نأكل منه! فقال عثمان : ما لك لا تأكل؟ فقال : هو صيد ، ولا يحل أكله وأنا محرم! فقال عثمان : بين لنا! فقال علي : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " فقال عثمان : أونحن قتلناه؟ فقرأ عليه : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " .

12742 - حدثنا تميم بن المنتصر وعبد الحميد بن بيان القناد قالا أخبرنا [ ص: 76 ] إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن صبيح بن عبيد الله العبسي قال : استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العروض ثم ذكر نحوه ، وزاد فيه ، قال : فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ، ثم أتى فقيل له بمكة : هل لك في ابن أبي طالب ، أهدي له صفيف حمار فهو يأكل منه! فأرسل إليه عثمان ، وسأله عن أكل الصفيف ، فقال : أما أنت فتأكل ، وأما نحن فتنهانا؟ فقال : إنه صيد عام أول وأنا حلال ، فليس علي بأكله بأس ، وصيد ذلك - يعني اليعاقيب - وأنا محرم ، وذبحن وأنا حرام .

12743 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا يونس ، عن الحسن : أن عمر بن الخطاب لم يكن يرى بأسا بلحم الصيد للمحرم ، وكرهه علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .

12744 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن عليا كره لحم الصيد للمحرم على كل حال .

12745 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث : أنه شهد عثمان وعليا أتيا بلحم ، فأكل عثمان ولم يأكل علي ، فقال عثمان : أنحن صدنا أو [ ص: 77 ] صيد لنا؟ فقرأ علي هذه الآية : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما .

12746 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : حج عثمان بن عفان ، فحج معه علي ، فأتي بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه وهو محرم ، ولم يأكل منه علي ، فقال عثمان : إنه صيد قبل أن نحرم! فقال له علي : ونحن قد نزلنا وأهالينا لنا حلال ، أفيحللن لنا اليوم؟

12747 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل : أن عليا أتي بشق عجز حمار وهو محرم ، فقال : إني محرم .

12748 - حدثنا ابن بزيع قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا سعيد ، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه كان يكرهه على كل حال ، ما كان محرما . [ ص: 78 ]

12749 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام ، أخذ له أو لم يؤخذ له وشيقة وغيرها .

12750 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبد الله قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان لا يأكل الصيد وهو محرم ، وإن صاده الحلال .

12751 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق : أن طاوسا كان ينهى الحرام عن أكل الصيد ، وشيقة وغيرها ، صيد له أو لم يصد له .

12752 - حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا الأشعث قال : قال الحسن : إذا صاد الصيد ثم أحرم لم يأكل من لحمه حتى يحل . فإن أكل منه وهو محرم ، لم ير الحسن عليه شيئا .

12753 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام وهارون عن عنبسة ، عن سالم قال : سألت سعيد بن جبير ، عن الصيد يصيده الحلال ، أيأكل منه المحرم؟ فقال : سأذكر لك من ذلك ، إن الله - تعالى ذكره - قال : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " فنهى عن قتله ، ثم قال : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " ثم قال - تعالى ذكره - : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة " قال : يأتي الرجل أهل البحر فيقول : " أطعموني " فإن [ ص: 79 ] قال : " غريضا " ألقوا شبكتهم فصادوا له ، وإن قال : " أطعموني من طعامكم " أطعموه من سمكهم المالح . ثم قال : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " وهو عليك حرام ، صدته أو صاده حلال .

وقال آخرون : إنما عنى الله - تعالى ذكره - بقوله : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " ما استحدث المحرم صيده في حال إحرامه أو ذبحه ، أو استحدث له ذلك في تلك الحال . فأما ما ذبحه حلال وللحلال ، فلا بأس بأكله للمحرم . وكذلك ما كان في ملكه قبل حال إحرامه ، فغير محرم عليه إمساكه .

ذكر من قال ذلك :

12754 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا قتادة : أن سعيد بن المسيب حدثه ، عن أبي هريرة : أنه سئل عن صيد صاده حلال ، أيأكله المحرم؟ قال : فأفتاه هو بأكله ، ثم لقي عمر بن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك .

12755 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه قال : نزل عثمان بن عفان رحمه الله العرج وهو محرم ، فأهدى صاحب العرج له قطا ، قال : فقال لأصحابه : كلوا فإنه إنما اصطيد [ ص: 80 ] على اسمي ، قال : فأكلوا ولم يأكل .

12756 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة كان بالربذة ، فسألوه عن لحم صيد صاده حلال ، ثم ذكر نحو حديث ابن بزيع عن بشر .

12757 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن عمر ، نحوه .

12758 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن لحم صيد يهديه الحلال إلى الحرام ، فقال : أكله عمر ، وكان لا يرى به بأسا . قال قلت : تأكله؟ قال : عمر خير مني . [ ص: 81 ]

12759 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام ، قال : كان عمر يأكله . قال قلت : فأنت؟ قال : كان عمر خيرا مني .

12760 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : استفتاني رجل من أهل الشام في لحم صيد أصابه وهو محرم ، فأمرته أن يأكله . فأتيت عمر بن الخطاب فقلت له : إن رجلا من أهل الشام استفتاني في لحم صيد أصابه وهو محرم ، قال : فما أفتيته؟ قال : قلت : أفتيته أن يأكله . قال : فوالذي نفسي بيده ، لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرة! وقال عمر : إنما نهيت أن تصطاده .

12761 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مصعب بن المقدام قال : حدثنا خارجة عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن كعب قال : أقبلت في أناس محرمين ، فأصبنا لحم حمار وحش ، فسألني الناس عن أكله ، فأفتيتهم بأكله ، وهم محرمون . فقدمنا على عمر ، فأخبروه أني أفتيتهم بأكل حمار الوحش وهم محرمون ، [ ص: 82 ] فقال عمر : قد أمرته عليكم حتى ترجعوا .

12762 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : مررت بالربذة ، فسألني أهلها عن المحرم يأكل ما صاده الحلال؟ فأفتيتهم أن يأكلوه . فلقيت عمر بن الخطاب ، فذكرت ذلك له . قال : بم أفتيتهم؟ قال : أفتيتهم أن يأكلوا . قال : لو أفتيتهم بغير ذلك لخالفتك .

12763 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن يونس ، عن أبي الشعثاء الكندي قال : قلت لابن عمر : كيف ترى في قوم حرام لقوا قوما حلالا ومعهم لحم صيد ، فإما باعوهم ، وإما أطعموهم؟ فقال : حلال . [ ص: 83 ]

12764 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا محمد بن سعيد قال : حدثنا هشام يعني ابن عروة قال : حدثنا عروة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن عبد الرحمن حدثه : أنه اعتمر مع عثمان بن عفان في ركب فيهم عمرو بن العاص ، حتى نزلوا بالروحاء ، فقرب إليهم طير وهم محرمون ، فقال لهم عثمان : كلوا ، فإني غير آكله! فقال عمرو بن العاص : أتأمرنا بما لست آكلا؟ فقال عثمان : إني لولا أظن أنه اصطيد من أجلي ، لأكلت! فأكل القوم .

12765 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن الزبير كان يتزود لحوم الوحش وهو محرم .

12766 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال ، وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام .

12767 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما صيد من شيء وأنت حرام فهو عليك حرام ، وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال . [ ص: 84 ]

12768 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فجعل الصيد حراما على المحرم صيده وأكله ما دام حراما . وإن كان الصيد صيد قبل أن يحرم الرجل ، فهو حلال . وإن صاده حرام لحلال ، فلا يحل له أكله .

12769 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : سألت أبا بشر عن المحرم يأكل مما صاده الحلال؟ قال : كان سعيد بن جبير ومجاهد يقولان : ما صيد قبل أن يحرم أكل منه ، وما صيد بعد ما أحرم لم يأكل منه .

12770 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا ابن جريج قال : كان عطاء يقول إذا سئل في العلانية : أيأكل الحرام الوشيقة والشيء اليابس؟ يقول بيني وبينه : لا أستطيع أن أبين لك في مجلس ، إن ذبح قبل أن نحرم فكل ، وإلا فلا تبع لحمه ولا تبتع .

وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى بقوله : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " وحرم عليكم اصطياده . قالوا : فأما شراؤه من مالك يملكه وذبحه وأكله ، بعد أن يكون ملكه إياه على غير وجه الاصطياد له ، وبيعه وشراؤه جائز . قالوا : والنهي من الله - تعالى ذكره - ، عن صيده في حال الإحرام دون سائر المعاني .

ذكر من قال ذلك :

12771 - حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال : حدثنا ابن أبي مريم [ ص: 85 ] قال : حدثنا يحيى بن أيوب قال : أخبرني يحيى ، أن أبا سلمة اشترى قطا وهو بالعرج وهو محرم ، ومعه محمد بن المنكدر ، فأكلها .

فعاب عليه ذلك الناس .

قال أبو جعفر : والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - ، عم تحريم كل معاني صيد البر على المحرم في حال إحرامه ، من غير أن يخص من ذلك شيئا دون شيء ، فكل معاني الصيد حرام على المحرم ما دام حراما ، بيعه وشراؤه واصطياده وقتله ، وغير ذلك من معانيه ، إلا أن يجده مذبوحا قد ذبحه حلال لحلال ، فيحل له حينئذ أكله ، للثابت عن الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي : -

12772 - حدثناه يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج وحدثني عبد الله بن أبي زياد قال : حدثنا مكي بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الملك بن جريج قال : أخبرني محمد بن المنكدر ، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان ، عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان قال : كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم ، فأهدي لنا طائر ، فمنا من أكل ، ومنا من تورع فلم يأكل . فلما استيقظ طلحة وفق من أكل ، وقال : أكلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 86 ]

فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما روي عن الصعب بن جثامة أنه أهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل حمار وحش يقطر دما ، فرده فقال : إنا حرم وفيما روي عن عائشة : أن وشيقة ظبي أهديت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم ، فردها وما أشبه ذلك من الأخبار؟

قيل : إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى ، بيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد من ذلك ما رد وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه ، وهو حلال لحلال ، ثم أهداه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حرام ، فرده وقال : " إنه لا يحل لنا لأنا حرم " ، وإنما ذكر فيه أنه أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم صيد فرده . وقد يجوز أن يكون رده ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم .

وقد بين خبر جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " لحم صيد البر للمحرم حلال إلا ما صاد أو صيد له " ، معنى ذلك كله .

فإذ كان كلا الخبرين صحيحا مخرجهما ، فواجب التصديق بهما ، وتوجيه كل واحد منهما إلى الصحيح من وجه ، وأن يقال : " رده ما رد من ذلك من أجل [ ص: 87 ] أنه كان صيد من أجله وإذنه في كل ما أذن في أكله منه ، من أجل أنه لم يكن صيد لمحرم ولا صاده محرم ، فيصح معنى الخبرين كليهما .

واختلفوا في صفة الصيد الذي عنى الله تعالى بالتحريم في قوله : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " .

فقال بعضهم : " صيد البر " كل ما كان يعيش في البر والبحر ، وإنما " صيد البحر " ما كان يعيش في الماء دون البر ويأوي إليه

ذكر من قال ذلك :

12773 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز : " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " قال : ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصده ، وما كان حياته في الماء فذاك .

12774 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا الحجاج ، عن عطاء قال : ما كان يعيش في البر فأصابه المحرم فعليه جزاؤه ، نحو السلحفاة والسرطان والضفادع .

12775 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن عطاء قال : كل شيء عاش في البر والبحر فأصابه المحرم ، فعليه الكفارة .

12776 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير قال : خرجنا [ ص: 88 ] حجاجا معنا رجل من أهل السواد معه شصوص طير ماء ، فقال له أبي حين أحرمنا : اعزل هذا عنا .

12777 - وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت يزيد بن أبي زياد قال : حدثنا حجاج ، عن عطاء : أنه كره للمحرم أن يذبح الدجاج الزنجي ، لأن له أصلا في البر .

وقال بعضهم : صيد البر ما كان كونه في البر أكثر من كونه في البحر .

ذكر من قال ذلك :

12778 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : ابن جريج أخبرناه ، قال : سألت عطاء عن ابن الماء ، أصيد بر أم بحر؟ وعن أشباهه؟ فقال : حيث يكون أكثر ، فهو صيده .

12779 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عطاء بن أبي رباح قال : أكثر ما يكون حيث يفرخ ، فهو منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية