صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ما بحر الله بحيرة ، ولا سيب سائبة ، ولا وصل وصيلة ، ولا حمى حاميا ولكنكم الذين فعلتم ذلك ، أيها الكفرة ، فحرمتموه افتراء على ربكم ، كالذي : -

12819 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثني أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، عن ابن الهاد وحدثني يونس قال : حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثني الليث قال : حدثني ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، وكان أول من سيب السيب " . [ ص: 117 ]

12820 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا [ ص: 118 ] محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأكثم بن الجون : يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا به منك! فقال أكثم : عسى أن يضرني شبهه ، يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه أول من غير دين إسماعيل ، وبحر البحيرة ، وسيب السائبة ، وحمى الحامي " . [ ص: 119 ]

12821 - حدثنا هناد قال : حدثنا يونس قال : حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قد عرفت أول من بحر البحائر ، رجل من مدلج كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما وظهورهما ، وقال : هاتان لله! ثم احتاج إليهما ، فشرب ألبانهما ، وركب ظهورهما . قال : فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه .

12822 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عرضت علي النار ، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندف يجر قصبه في النار ، وهو أول من غير دين إبراهيم ، وسيب السائبة ، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون ! فقال أكثم : يا رسول الله ، أيضرني شبهه؟ قال : " لا لأنك مسلم ، وإنه كافر " . [ ص: 120 ]

12823 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، وهو أول من سيب السوائب .

12824 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير عهد إبراهيم ! قالوا : من هو ، يا رسول الله؟ قال : عمرو بن لحي أخو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار . وإني لأعرف أول من بحر البحائر! قالوا : من هو ، يا رسول الله؟ قال : رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار هو ، وهما يعضانه بأفواههما ، ويخبطانه بأخفافهما . [ ص: 121 ]

و " البحيرة " الفعيلة من قول القائل : " بحرت أذن هذه الناقة " إذا شقها ، " أبحرها بحرا " والناقة " مبحورة " ثم تصرف " المفعولة " إلى " فعيلة " فيقال : " هي بحيرة " . وأما " البحر " من الإبل فهو الذي قد أصابه داء من كثرة شرب الماء ، يقال منه : " بحر البعير يبحر بحرا " ومنه قول الشاعر :


لأعلطنه وسما لا يفارقه كما يحز بحمي الميسم البحر



وبنحو الذي قلنا في معنى " البحيرة " جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

12825 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن أبيه قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أرأيت [ ص: 122 ] إبلك ألست تنتجها مسلمة آذانها ، فتأخذ الموسى فتجدعها ، تقول : " هذه بحيرة " وتشقون آذانها ، تقولون : " هذه صرم " ؟ قال : نعم! قال : فإن ساعد الله أشد ، وموسى الله أحد ! كل مالك لك حلال ، لا يحرم عليك منه شيء .

12826 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا الأحوص ، عن أبيه قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها ، فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها فتقول : " هذه بحر " وتشقها أو تشق جلودها فتقول : " هذه صرم " فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال : نعم! قال : فإن ما آتاك الله لك حل ، وساعد الله أشد ، وموسى الله أحد وربما قال : ساعد الله أشد من ساعدك ، وموسى الله أحد من موساك . [ ص: 123 ]

وأما " السائبة " : فإنها المسيبة المخلاة . وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه ، فيحرم الانتفاع به على نفسه ، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبده سائبة ، فلا ينتفع به ولا بولائه . [ ص: 124 ] وأخرجت " المسيبة " بلفظ " السائبة " كما قيل : " عيشة راضية " بمعنى : مرضية .

وأما " الوصيلة " فإن الأنثى من نعمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطنا بذكر وأنثى ، قيل : " قد وصلت الأنثى أخاها " بدفعها عنه الذبح ، فسموها " وصيلة " .

وأما " الحامي " فإنه الفحل من النعم يحمى ظهره من الركوب والانتفاع ، بسبب تتابع أولاد تحدث من فحلته .

وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء ، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك .

ذكر الرواية بما قيل في ذلك :

12827 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن أبا صالح السمان حدثه : أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأكثم بن الجون الخزاعي : يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ، ولا به منك! فقال أكثم : أيضرني شبهه يا نبي الله؟ قال : لا إنك مؤمن وهو كافر ، وإنه كان أول من غير دين إسماعيل ، ونصب الأوثان ، وسيب السائب فيهم . [ ص: 125 ]

وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيها ذكر ، سيبت فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف . فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ، ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل ، فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، كما فعل بأمها ، فهي " البحيرة " ابنة " السائبة " .

و " الوصيلة " أن الشاة إذا نتجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر ، جعلت " وصيلة " قالوا : " وصلت " فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله ، ذكورهم وإناثهم .

و " الحامي " أن الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر ، حمى ظهره ولم يركب ، ولم يجز وبره ، ويخلى في إبله يضرب فيها ، لا ينتفع به بغير ذلك . يقول الله - تعالى ذكره - : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " إلى قوله : " ولا يهتدون " . [ ص: 126 ]

12828 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق في هذه الآية : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال أبو جعفر : سقط علي فيما أظن كلام منه قال : فأتيت علقمة فسألته ، فقال : ما تريد إلى شيء كان يصنعه أهل الجاهلية .

12829 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن مسلم قال : أتيت علقمة ، فسألته عن قول الله تعالى : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " فقال : وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال : فأتيت مسروقا فسألته ، فقال : " البحيرة " كانت الناقة إذا ولدت بطنا خمسا أو سبعا ، شقوا أذنها ، وقالوا : " هذه بحيرة " قال : " ولا سائبة " قال : كان الرجل يأخذ بعض ماله فيقول : " هذه سائبة " قال : " ولا وصيلة " قال : كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث ، وإذا ولدت ذكرا وأنثى في بطن قالوا : " وصلت أخاها " فلا يأكلونهما . قال : فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث قال : " ولا حام " قال : كان البعير إذا ولد وولد ولده ، قالوا : " قد قضى هذا الذي عليه " فلم ينتفعوا بظهره . قالوا : " هذا حمى " . [ ص: 127 ]

12830 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح قال : سألت علقمة عن قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " قال : ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية .

12831 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، ويحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص : " ما جعل الله من بحيرة " قال : البحيرة : التي قد ولدت خمسة أبطن ثم تركت .

12832 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن الشعبي : " ما جعل الله من بحيرة " . قال : البحيرة ، المخضرمة " ولا سائبة " والسائبة : ما سيب للعدى و " الوصيلة " إذا ولدت بعد أربعة أبطن فيما يرى جرير ثم ولدت الخامس ذكرا وأنثى ، وصلت أخاها و " الحام " الذي قد ضرب أولاد أولاده في الإبل .

12833 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، بنحوه إلا أنه قال : و " الوصيلة " التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرا وأنثى ، قالوا : " وصلت أخاها " وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد . [ ص: 128 ]

12834 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، عن زكريا ، عن الشعبي : أنه سئل عن " البحيرة " فقال : هي التي تجدع آذانها . وسئل عن " السائبة " فقال : كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم ، فتذهب فتختلط بغنم الناس ، فلا يشرب ألبانها إلا الرجال ، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا .

12835 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - تعالى ذكره - : " ما جعل الله من بحيرة " وما معها : " البحيرة " من الإبل يحرم أهل الجاهلية وبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال ، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها ، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها . فإذا ضرب الجمل من ولد البحيرة ، فهو " الحامي " . و " الحامي " اسم . و " السائبة " من الغنم على نحو ذلك ، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد ، كان على هيئتها . فإذا ولدت في السابع ذكرا أو أنثى أو ذكرين ، ذبحوه ، فأكله رجالهم دون نسائهم . وإن توأمت أنثى وذكرا فهي " وصيلة " لترك ذبح الذكر بالأنثى . وإن كانتا أنثيين تركتا .

12836 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : [ ص: 129 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " فالبحيرة ، الناقة ، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن ، فيعمد إلى الخامسة ، ما لم تكن سقبا ، فيبتك آذانها ، ولا يجز لها وبرا ، ولا يذوق لها لبنا ، فتلك " البحيرة " " ولا سائبة " كان الرجل يسيب من ماله ما شاء " ولا وصيلة " فهي الشاة إذا ولدت سبعا ، عمد إلى السابع ، فإن كان ذكرا ذبح ، وإن كانت أنثى تركت ، وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما ، قالوا : " وصلت أخاها " فيتركان جميعا لا يذبحان . فتلك " الوصيلة " وقوله : " ولا حام " كان الرجل يكون له الفحل ، فإذا لقح عشرا قيل : " حام ، فاتركوه " .

12837 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ليسيبوها لأصنامهم " ولا وصيلة " يقول : الشاة " ولا حام " يقول : الفحل من الإبل .

12838 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " تشديد شدده الشيطان على أهل الجاهلية في أموالهم ، وتغليظ عليهم ، فكانت " البحيرة " من الإبل ، إذا نتج الرجل خمسا من إبله ، نظر البطن الخامس ، فإن كانت سقبا ذبح فأكله الرجال دون النساء ، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم ، وإن كانت حائلا وهي الأنثى تركت ، فبتكت أذنها ، فلم يجز لها وبر ، ولم يشرب لها لبن ، ولم يركب لها ظهر ، ولم يذكر لله عليها اسم . [ ص: 130 ] وكانت " السائبة " يسيبون ما بدا لهم من أموالهم ، فلا تمنع من حوض أن تشرع فيه ، ولا من حمى أن ترتع فيه وكانت " الوصيلة " من الشاء ، من البطن السابع ، إذا كان جديا ذبح فأكله الرجال دون النساء . وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم . وإن جاءت بذكر وأنثى قيل : " وصلت أخاها فمنعته الذبح " و " الحام " كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة ، أو ولد ولده ، قيل : "حام حمى ظهره " فلم يزم ولم يخطم ولم يركب .

12839 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " فالبحيرة من الإبل ، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، إن كان الخامس سقبا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم ، وكانت أمه من عرض الإبل . وإن كانت ربعة استحيوها ، وشقوا أذن أمها ، وجزوا وبرها ، وخلوها في البطحاء ، فلم تجز لهم في دية ، ولم يحلبوا لها لبنا ، ولم يجزوا لها وبرا ، ولم يحملوا على ظهرها ، وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها ، وأما " السائبة " فهو الرجل يسيب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برئ من وجع ، أو ركب ناقة فأنجح ، فإنه يسمي " السائبة " يرسلها فلا يعرض لها أحد من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا وأما " الوصيلة " فمن الغنم ، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة ، فكان آخر ذلك جديا ، ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة ، وإن كانت عناقا استحيوها ، وإن كانت جديا وعناقا استحيوا الجدي من أجل العناق ، فإنها وصيلة وصلت [ ص: 131 ] أخاها وأما " الحام " فالفحل يضرب في الإبل عشر سنين ويقال : إذا ضرب ولد ولده قيل : " قد حمى ظهره " فيتركونه لا يمس ولا ينحر أبدا ، ولا يمنع من كلأ يريده ، وهو من الأنعام التي حرمت ظهورها .

12840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب في قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال : " البحيرة " من الإبل ، التي يمنح درها للطواغيت و " السائبة " من الإبل ، كانوا يسيبونها لطواغيتهم و " الوصيلة " من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بأنثى ، ثم تثنى بأنثى ، فيسمونها " الوصيلة " يقولون : " وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر " فكانوا يجدعونها لطواغيتهم - أو : يذبحونها ، الشك من أبي جعفر - و " الحام " الفحل من الإبل ، كان يضرب الضراب المعدودة . فإذا بلغ ذلك قالوا : " هذا حام ، قد حمى ظهره " فترك ، فسموه " الحام " قال معمر قال قتادة ، إذا ضرب عشرة .

12841 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : " البحيرة " من الإبل ، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، فإن كان الخامس ذكرا ، كان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى ، بتكوا آذانها ثم أرسلوها ، فلم ينحروا لها ولدا ، ولم يشربوا لها لبنا ، ولم يركبوا لها ظهرا وأما " السائبة " فإنهم كانوا يسيبون بعض إبلهم ، فلا تمنع حوضا أن تشرع فيه ، ولا مرعى أن ترتع فيه " والوصيلة " الشاة كانت إذا [ ص: 132 ] ولدت سبعة أبطن ، فإن كان السابع ذكرا ، ذبح وأكله الرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركت .

12842 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، عن الضحاك : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " أما " البحيرة " فكانت الناقة إذا نتجوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبا ، وإن كان ربعة شقوا أذنها واستحيوها ، وهي " بحيرة " وأما السقب فلا يأكل نساؤهم منه ، وهو خالص لرجالهم ، فإن ماتت الناقة أو نتجوها ميتا ، فرجالهم ونساؤهم فيه سواء ، يأكلون منه وأما " السائبة " فكان يسيب الرجل من ماله من الأنعام ، فيهمل في الحمى ، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ولا بشعره ولا بصوفه وأما " الوصيلة " فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحوا السابع إذا كان جديا ، وإن كان عناقا استحيوه ، وإن كان جديا وعناقا استحيوهما كليهما ، وقالوا : " إن الجدي وصلته أخته ، فحرمته علينا " وأما " الحامي " فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا : " قد حمى هذا ظهره ، وأحرزه أولاد ولده " فلا يركبونه ، ولا يمنعونه من حمى شجر ، ولا حوض ما شرع فيه ، وإن لم يكن الحوض لصاحبه . وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شأنهم : لا إن ركبوا ، ولا إن حملوا ، ولا إن حلبوا ، ولا إن نتجوا ، ولا إن باعوا . ففي ذلك أنزل الله - تعالى ذكره - : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " إلى قوله : " وأكثرهم لا يعقلون " .

12843 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال : هذا شيء كان يعمل به أهل الجاهلية ، وقد ذهب . قال : " البحيرة " كان الرجل [ ص: 133 ] يجدع أذني ناقته ، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه ، لا تحلب ولا تركب و " السائبة " يسيبها بغير تجديع و " الحام " إذا نتج له سبع إناث متواليات ، قد حمى ظهره ، ولا يركب ، ولا يعمل عليه و " الوصيلة " من الغنم : إذا ولدت سبع إناث متواليات ، حمت لحمها أن يؤكل .

12844 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني ابن الهاد ، عن ابن شهاب قال : قال سعيد بن المسيب : " السائبة " التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء و " البحيرة " التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد و " الوصيلة " الناقة البكر تبتكر أول نتاج الإبل بأنثى ، ثم تثني بعد بأنثى ، وكانوا يسمونها للطواغيت ، يدعونها " الوصيلة " أن وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى " والحامي " فحل الإبل ، يضرب العشر من الإبل . فإذا نفض ضرابه يدعونه للطواغيت ، وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئا ، وسموه " الحامي " .

قال أبو جعفر : وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام ، فلا نعرف قوما يعملون بها اليوم . [ ص: 134 ]

فإذا كان ذلك كذلك وكان ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر ، ولا في الشرك ، نعرفه إلا بخبر ، وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلاف الذي ذكرنا ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال : أما معاني هذه الأسماء ، فما بينا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية ، وأما كيفية عمل القوم في ذلك ، فما لا علم لنا به . وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا ، وغير ضائر الجهل بذلك إذا كان المراد من علمه المحتاج إليه ، موصلا إلى حقيقته ، وهو أن القوم كانوا يحرمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله ، اتباعا منهم خطوات الشيطان ، فوبخهم الله - تعالى ذكره - بذلك ، وأخبرهم أن كل ذلك حلال . فالحرام من كل شيء عندنا ما حرم الله - تعالى ذكره - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، بنص أو دليل ، والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية