القول في تأويل قوله ( 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب  ( 109 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول - تعالى ذكره - : واتقوا الله ، أيها الناس . واسمعوا وعظه إياكم وتذكيره لكم ، واحذروا يوم يجمع الله الرسل ثم حذف " واحذروا " واكتفى بقوله : " واتقوا الله واسمعوا " عن إظهاره ، كما قال الراجز : 
علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها 
يريد : " وسقيتها ماء باردا " فاستغنى بقوله " علفتها تبنا " من إظهار " سقيتها " إذ كان السامع إذا سمعه عرف معناه . فكذلك في قوله : " 
يوم يجمع الله الرسل  " حذف " واحذروا " لعلم السامع معناه ، اكتفاء بقوله : " واتقوا الله واسمعوا " إذ كان ذلك تحذيرا من أمر الله - تعالى ذكره - ، خلقه عقابه على معاصيه . 
وأما قوله : " ماذا أجبتم " فإنه يعني به : ما الذي أجابتكم به أممكم ، حين  
[ ص: 210 ] دعوتموهم إلى توحيدي ، والإقرار بي ، والعمل بطاعتي ، والانتهاء عن معصيتي؟ " قالوا لا علم لنا " . 
فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . 
فقال بعضهم : معنى قولهم : " لا علم لنا " لم يكن ذلك من الرسل إنكارا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم ، ولكنهم ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم ، ثم أجابوا بعد أن ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم . 
ذكر من قال ذلك : 
12986 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن مفضل   . قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : " 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا  " قال : فذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا قالوا : " لا علم لنا " ثم نزلوا منزلا آخر ، فشهدوا على قومهم  . 
12987 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا حكام ، عن 
عنبسة   . . . . . . . . . قال : سمعت 
الحسن  يقول في قوله : " 
يوم يجمع الله الرسل  " الآية ، قال : من هول ذلك اليوم  . 
12988 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
الثوري  ، عن 
الأعمش  ، عن 
مجاهد  في قوله : " 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم  " فيفزعون ، فيقول : ماذا أجبتم ؟ فيقولون : لا علم لنا  ! 
وقال آخرون : معنى ذلك : لا علم لنا إلا ما علمتنا .  
[ ص: 211 ] 
ذكر من قال ذلك : 
12989 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
مؤمل  قال : حدثنا 
سفيان ،  عن 
الأعمش ،  عن 
مجاهد  في قوله : " 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم  " فيقولون : لا علم لنا إلا ما علمتنا " 
إنك أنت علام الغيوب  " . 
وقال آخرون : معنى ذلك : قالوا لا علم لنا ، إلا علم أنت أعلم به منا . 
ذكر من قال ذلك : 
12990 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح  ، عن 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس  قوله : " 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا  " إلا علم أنت أعلم به منا  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : " ماذا أجبتم " ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ 
ذكر من قال ذلك : 
12991 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قوله : " 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم  " ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ " 
قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب  " . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى الأقوال بالصواب ، قول من قال : " معناه : لا علم لنا ، إلا علم أنت أعلم به منا " لأنه - تعالى ذكره - أخبر عنهم أنهم قالوا : " 
لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب  " أي : إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفي العلوم وجليها . فإنما نفى القوم أن يكون لهم بما سئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو - تعالى ذكره - لا أنهم نفوا أن يكونوا علموا ما شاهدوا . وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ، وهو - تعالى ذكره - يخبر عنهم أنهم يخبرون بما أجابتهم به الأمم ،  
[ ص: 212 ] وأنهم يستشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء ، فقال - تعالى ذكره - : 
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا  [ سورة البقرة : 143 ] . 
وأما الذي قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  من أن معناه : " ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ " فتأويل لا معنى له . لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يحدث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك ، وإذا سئلت عما عملت الأمم بعدها والأمر كذلك ، فإنما يقال لها : ماذا عرفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهر خبر الله - تعالى ذكره - عن مسألته إياهم ، يدل على غير ذلك .