صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ( 114 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - تعالى ذكره - عن نبيه عيسى - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أجاب القوم إلى ما سألوه من مسألة ربه مائدة تنزل عليهم من السماء . [ ص: 225 ]

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا " . فقال بعضهم : معناه : نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا .

ذكر من قال ذلك :

12997 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا " يقول : نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا .

12998 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله " تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا " قال : أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم .

12999 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا " قال : الذين هم أحياء منهم يومئذ " وآخرنا " من بعدهم منهم .

13000 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : قال سفيان : " تكون لنا عيدا " قالوا : نصلي فيه . قال نزلت مرتين .

وقال آخرون : معناه : نأكل منها جميعا .

ذكر من قال ذلك :

13001 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ليث ، عن عقيل ، عن ابن عباس أنه قال : أكل منها يعني : من المائدة حين وضعت بين أيديهم ، آخر الناس ، كما أكل منها أولهم .

وقال آخرون : معنى قوله " عيدا " عائدة من الله - تعالى ذكره - علينا ، وحجة وبرهانا . [ ص: 226 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب ، قول من قال : " معناه : تكون لنا عيدا ، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه ، ونصلي له فيه ، كما يعبد الناس في أعيادهم " لأن المعروف من كلام الناس المستعمل بينهم في " العيد " ما ذكرنا ، دون القول الذي قاله من قال : " معناه : عائدة من الله علينا " . وتوجيه معاني كلام الله إلى المعروف من كلام من خوطب به ، أولى من توجيهه إلى المجهول منه ، ما وجد إليه السبيل .

وأما قوله : " لأولنا وآخرنا " فإن الأولى من تأويله بالصواب ، قول من قال : " تأويله : للأحياء منا اليوم ، ومن يجيء بعدنا منا " للعلة التي ذكرناها في قوله : " تكون لنا عيدا " لأن ذلك هو الأغلب من معناه .

وأما قوله : " وآية منك " فإن معناه : وعلامة وحجة منك يا رب ، على عبادك في وحدانيتك ، وفي صدقي على أني رسول إليهم بما أرسلتني به " وارزقنا وأنت خير الرازقين " وأعطنا من عطائك ، فإنك يا رب خير من يعطي ، وأجود من تفضل ، لأنه لا يدخل عطاءه من ولا نكد .

وقد اختلف أهل التأويل في " المائدة " هل أنزلت عليهم ، أم لا؟ وما كانت؟

فقال بعضهم : نزلت ، وكانت حوتا وطعاما ، فأكل القوم منها ، ولكنها رفعت بعدما نزلت بأحداث منهم أحدثوها فيما بينهم وبين الله - تعالى ذكره - .

ذكر من قال ذلك :

13002 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا [ ص: 227 ] شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نزلت المائدة ، خبزا وسمكا .

13003 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا أبي ، عن الفضيل ، عن عطية قال : " المائدة " سمكة فيها طعم كل طعام .

13004 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن فضيل ، عن مسروق ، عن عطية قال : " المائدة " سمك فيه من طعم كل طعام .

13005 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن قال : نزلت المائدة خبزا وسمكا .

13006 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : نزلت على عيسى بن مريم والحواريين ، خوان عليه خبز وسمك ، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا .

13007 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا المنذر بن النعمان ، أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله : " أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا " قال : نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات قال الحسن ، قال أبو بكر : فحدثت به عبد الصمد بن معقل فقال : سمعت وهبا ، وقيل له : وما كان ذلك يغني عنهم؟ فقال : لا شيء ، ولكن الله حثا بين أضعافهن البركة ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ، ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون ، حتى أكلوا جميعهم وأفضلوا .

13008 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قال : هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا .

13009 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 228 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله - تعالى ذكره - : " مائدة من السماء " قال : مائدة عليها طعام ، أتوا بها; حين عرض عليهم العذاب إن كفروا . ألوان من طعام ينزل عليهم .

13010 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن إسحاق بن عبد الله : أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، يأكلون منها ما شاؤوا . قال : فسرق بعضهم منها وقال : " لعلها لا تنزل غدا! " فرفعت .

13011 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن سماك بن حرب ، عن رجل من بني عجل قال : صليت إلى جنب عمار بن ياسر ، فلما فرغ قال : هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال فقلت : لا! قال : إنهم سألوا عيسى بن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد . قال : فقيل لهم : فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا ، أو تخونوا ، أو ترفعوا ، فإن فعلتم فإني أعذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين! قال : فما تم يومهم حتى خبئوا ورفعوا وخانوا ، فعذبوا عذابا لم يعذبه أحد من العالمين . وإنكم معشر العرب ، كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء ، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم ، تعرفون حسبه ونسبه ، وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهرون على العرب ، ونهاكم أن تكنزوا الذهب والفضة . وايم الله . لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ، ويعذبكم عذابا أليما .

13012 - حدثنا الحسن بن قزعة البصري قال : حدثنا سفيان بن حبيب قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن عمار بن ياسر [ ص: 229 ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نزلت المائدة خبزا ولحما ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير .

13013 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف بن خالد قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في المائدة قال : كانت طعاما ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا .

وقال آخرون : كانت المائدة تنزل وعليها ثمر من ثمار الجنة .

ذكر من قال ذلك :

13014 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن عمار قال : نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمر الجنة ، فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا ، قال : فخان القوم وخبئوا وادخروا ، فحولهم الله قردة وخنازير .

13015 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة ، وأمروا أن لا [ ص: 230 ] يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد ، بلاء ابتلاهم الله به ، وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك ، أنبأهم به عيسى ، فخان القوم فيه فخبأوا وادخروا لغد .

وقال آخرون : كان عليها من كل طعام إلا اللحم .

ذكر من قال ذلك :

13016 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ميسرة قال : كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل ، اختلفت عليها الأيدي بكل طعام .

13017 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عطاء ، عن ميسرة وزاذان قالا كانت الأيدي تختلف عليها بكل طعام .

13018 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان وميسرة ، في : " هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء " قالا رأوا الأيدي تختلف عليها بكل شيء إلا اللحم .

وقال آخرون : لم ينزل الله على بني إسرائيل مائدة .

ثم اختلف قائلو هذه المقالة .

فقال بعضهم : إنما هذا مثل ضربه الله - تعالى ذكره - لخلقه ، نهاهم به عن مسألة نبي الله الآيات .

ذكر من قال ذلك :

13019 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، [ ص: 231 ] عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " أنزل علينا مائدة من السماء " قال : مثل ضرب ، لم ينزل عليهم شيء .

وقال آخرون : إن القوم لما قيل لهم : " فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " استعفوا منها فلم تنزل .

ذكر من قال ذلك :

13020 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : لما قيل لهم : " فمن يكفر بعد منكم " إلى آخر الآية ، قالوا : لا حاجة لنا فيها فلم تنزل .

13021 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن : أنه قال في المائدة : لم تنزل .

13022 - حدثني الحارث قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربه .

وإنما قلنا ذلك ، للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم ، غير من انفرد بما ذكرنا عنه .

وبعد ، فإن الله - تعالى ذكره - لا يخلف وعده ، ولا يقع في خبره الخلف ، وقد قال - تعالى ذكره - مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى - صلى الله عليه وسلم - حين سأله ما سأله من ذلك : " إني منزلها عليكم " وغير جائز أن يقول - تعالى ذكره - : [ ص: 232 ] " إني منزلها عليكم " ثم لا ينزلها ، لأن ذلك منه - تعالى ذكره - خبر ، ولا يكون منه خلاف ما يخبر . ولو جاز أن يقول : " إني منزلها عليكم " ثم لا ينزلها عليهم ، جاز أن يقول : " فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " ثم يكفر منهم بعد ذلك ، فلا يعذبه ، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة . وغير جائز أن يوصف ربنا - تعالى ذكره - بذلك .

وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة ، فأن يقال : كان عليها مأكول . وجائز أن يكون كان سمكا وخبزا ، وجائز أن يكون كان ثمرا من ثمر الجنة ، وغير نافع العلم به ، ولا ضار الجهل به ، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية