القول في تأويل قوله ( 
قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين  ( 57 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : " قل " يا 
محمد ،  لهؤلاء العادلين بربهم ، الداعين لك إلى الإشراك بربك " إني على بينة من ربي " أي إني على بيان قد تبينته ، وبرهان قد وضح لي " من ربي " يقول : من توحيدي ، وما أنا عليه من إخلاص عبوديته من غير إشراك شيء به . 
وكذلك تقول العرب : " فلان على بينة من هذا الأمر " إذا كان على بيان  
[ ص: 398 ] منه ، ومن ذلك قول الشاعر : 
أبينة تبغون بعد اعترافه وقول سويد قد كفيتكم بشرا 
" وكذبتم به " يقول : وكذبتم أنتم بربكم و " الهاء " في قوله " به " من ذكر الرب جل وعز " 
ما عندي ما تستعجلون به  " يقول : ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي ، ولا أنا على ذلك بقادر . وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيه 
محمدا   - صلى الله عليه وسلم - بتوحيده ، فدعاهم إلى الله ، وأخبرهم أنه رسوله إليهم : 
هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون  [ سورة الأنبياء : 3 ] . وقالوا للقرآن : هو أضغاث أحلام . وقال بعضهم : بل هو اختلاق اختلقه . وقال آخرون : بل محمد شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون فقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : أجبهم بأن الآيات بيد الله لا بيدك ، وإنما أنت رسول ، وليس عليك إلا البلاغ لما أرسلت به ، وأن الله يقضي الحق فيهم وفيك ، ويفصل به بينك وبينهم ، فيتبين المحق منكم والمبطل " 
وهو خير الفاصلين  " أي : وهو خير من بين وميز بين المحق والمبطل وأعدلهم ، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة ، ولا في قضائه جور ، لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور ، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين . 
وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله : ( 
وهو أسرع الفاصلين  ) . 
13302 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
محمد بن جعفر  قال : حدثنا 
شعبة  ، عن 
أبي بشر  ، عن 
سعيد بن جبير   : أنه قال : في قراءة عبد الله  :  
[ ص: 399 ]  ( يقضي الحق وهو أسرع الفاصلين ) . 
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " يقص الحق " . 
فقرأه عامة قرأة 
الحجاز  والمدينة  وبعض قرأة أهل 
الكوفة  والبصرة   : " 
إن الحكم إلا لله يقص الحق  " بالصاد ، بمعنى " القصص " وتأولوا في ذلك قول الله - تعالى ذكره - : 
نحن نقص عليك أحسن القصص  [ سورة يوسف : 3 ] . وذكر ذلك عن 
ابن عباس   . 
13303 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا 
ابن عيينة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار  ، عن 
عطاء  ، عن 
ابن عباس  قال ، " يقص الحق " وقال : 
نحن نقص عليك أحسن القصص  . 
وقرأ ذلك جماعة من قرأة 
الكوفة  والبصرة   : ( إن الحكم إلا لله يقضي الحق ) بالضاد ، من " القضاء " بمعنى الحكم والفصل بالقضاء ، واعتبروا صحة ذلك بقوله : " وهو خير الفاصلين " وأن " الفصل " بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقصص . 
وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب ، لما ذكرنا لأهلها من العلة . 
فمعنى الكلام إذا : ما الحكم فيما تستعجلون به ، أيها المشركون ، من عذاب الله وفيما بيني وبينكم ، إلا لله الذي لا يجوز في حكمه ، وبيده الخلق والأمر ، يقضي الحق بيني وبينكم ، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه .  
[ ص: 400 ]