صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ( 93 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما تقول رسل الله التي تقبض أرواح هؤلاء الكفار لها ، يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها : " أخرجوا أنفسكم " إلى سخط الله ولعنته ، فإنكم اليوم تثابون على كفركم بالله ، وقيلكم عليه الباطل ، وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوح إليكم شيئا ، وإنكاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئا ، واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله ، والانقياد لطاعته " عذاب الهون " وهو عذاب جهنم الذي يهينهم فيذلهم ، حتى يعرفوا صغار أنفسهم وذلتها ، كما : -

13568 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " عذاب الهون " فالذي يهينهم . [ ص: 541 ]

13569 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " اليوم تجزون عذاب الهون " قال : عذاب الهون في الآخرة " بما كنتم تعملون " .

والعرب إذا أرادت ب " الهون " معنى " الهوان " ضمت " الهاء " وإذا أرادت به الرفق والدعة وخفة المئونة ، فتحت " الهاء " فقالوا : هو " قليل هون المئونة " ومنه قول الله : الذين يمشون على الأرض هونا ) [ سورة الفرقان : 63 ] ، يعني : بالرفق والسكينة والوقار ، ومنه قول جندل بن المثنى الطهوي :


ونقض أيام نقضن أسره هونا وألقى كل شيخ فخره



ومنه قول الآخر :


هونكما لا يرد الدهر ما فاتا     لا تهلكا أسفا في إثر من ماتا



[ ص: 542 ] يريد : أرودا . وقد حكي فتح " الهاء " في ذلك بمعنى " الهوان " واستشهدوا على ذلك ببيت عامر بن جوين :


يهين النفوس ، وهون النفو     س عند الكريهة أغلى لها



والمعروف من كلامهم ، ضم " الهاء " منه ، إذا كان بمعنى الهوان والذل ، كما قال ذو الإصبع العدواني :


اذهب إليك فما أمي براعية     ترعى المخاض ولا أغضي على الهون



يعني : على الهوان وإذا كان بمعنى الرفق ، ففتحها .

التالي السابق


الخدمات العلمية