صفحة جزء
[ ص: 543 ] القول في تأويل قوله ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به الآلهة والأنداد ، يخبر عباده أنه يقول لهم عند ورودهم عليه : " لقد جئتمونا فرادى " .

ويعني بقوله : " فرادى " وحدانا لا مال معهم ، ولا إناث ، ولا رقيق ، ولا شيء مما كان الله خولهم في الدنيا " كما خلقناكم أول مرة " عراة غلفا غرلا حفاة ، كما ولدتهم أمهاتهم ، وكما خلقهم جل ثناؤه في بطون أمهاتهم ، لا شيء عليهم ولا معهم مما كانوا يتباهون به في الدنيا .

و " فرادى " جمع ، يقال لواحدها : " فرد " كما قال نابغة بني ذبيان :


من وحش وجرة موشي أكارعه طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد

[ ص: 544 ]

و " فرد " و " فريد " كما يقال : " وحد " و " وحد " و " وحيد " في واحد " الأوحاد " . وقد يجمع " الفرد " " الفراد " كما يجمع " الوحد " " الوحاد " ومنه قول الشاعر :


ترى النعرات الزرق فوق لبانه     فرادى ومثنى أصعقتها صواهله



وكان يونس الجرمي ، فيما ذكر عنه ، يقول : " فراد " جمع " فرد " كما قيل : " تؤم " و " تؤام " للجميع . ومنه : " الفرادى " و " الردافى " و " القرانى " . يقال : " رجل فرد " و " امرأة فرد " إذا لم يكن لها أخ . " وقد فرد الرجل فهو يفرد فرودا " يراد به تفرد ، " فهو فارد " .

13570 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال [ قال ابن زيد قال ] ، أخبرني عمرو : أن ابن أبي هلال حدثه : أنه سمع القرظي يقول : قرأت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الله : " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ، فقالت : واسوأتاه ، إن الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " لا ينظر الرجال إلى النساء ، ولا النساء إلى الرجال ، شغل بعضهم عن بعض . [ ص: 545 ]

وأما قوله : " وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم " فإنه يقول : خلفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها ، خلفكم في الدنيا فلم تحملوه معكم .

وهذا تعيير من الله جل ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم .

وكل ما ملكته غيرك وأعطيته : " فقد خولته " يقال منه : " خال الرجل يخال أشد الخيال " بكسر الخاء " وهو خائل " ومنه قول أبي النجم :


أعطى فلم يبخل ولم يبخل     كوم الذرى من خول المخول

[ ص: 546 ]

وقد ذكر أن أبا عمرو بن العلاء كان ينشد بيت زهير :


هنالك إن يستخولوا المال يخولوا     وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13571 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وتركتم ما خولناكم " من المال والخدم " وراء ظهوركم " في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية