القول في تأويل قوله تعالى ( 
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا  ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم ، مسليه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله ، وحاثا له على الصبر على ما نال فيه : ( 
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا  ) ، يقول : وكما ابتليناك ، يا 
محمد ،  بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ،  
[ ص: 51 ] ليصدوهم بمجادلتهم إياك بذلك عن اتباعك والإيمان بك وبما جئتهم به من عند ربك ، كذلك ابتلينا من قبلك من الأنبياء والرسل ، بأن جعلنا لهم أعداء من قومهم يؤذونهم بالجدال والخصومات . يقول : فهذا الذي امتحنتك به ، لم تخصص به من بينهم وحدك ، بل قد عممتهم بذلك معك لأبتليهم وأختبرهم ، مع قدرتي على منع من آذاهم من إيذائهم ، فلم أفعل ذلك إلا لأعرف أولي العزم منهم من غيرهم . يقول : فاصبر أنت كما صبر أولو العزم من الرسل . 
وأما " 
شياطين الإنس والجن  " ، فإنهم مردتهم ، وقد بينا الفعل الذي منه بني هذا الاسم ، بما أغنى عن إعادته . 
ونصب " العدو " و " الشياطين " بقوله : ( جعلنا ) . 
وأما قوله : ( 
يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا  ) ، فإنه يعني أنه يلقي الملقي منهم القول ، الذي زينه وحسنه بالباطل إلى صاحبه ، ليغتر به من سمعه ، فيضل عن سبيل الله . 
ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( 
شياطين الإنس والجن  ) . 
فقال بعضهم : معناه شياطين الإنس التي مع الإنس ، وشياطين الجن التي مع الجن ، وليس للإنس شياطين . 
ذكر من قال ذلك : 
13765 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه  )  
[ ص: 52 ] ، أما " شياطين الإنس " ، فالشياطين التي تضل الإنس " وشياطين الجن " ، الذين يضلون الجن ، يلتقيان ، فيقول كل واحد منهما : " إني أضللت صاحبي بكذا وكذا ، وأضللت أنت صاحبك بكذا وكذا " ، فيعلم بعضهم بعضا . 
13766 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا 
أبو نعيم  ، عن 
شريك  ، عن 
سعيد بن مسروق  ، عن 
عكرمة   : ( 
شياطين الإنس والجن  ) ، قال : ليس في الإنس شياطين ، ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن . 
13767 - حدثني 
الحارث  قال : حدثنا 
عبد العزيز  قال : حدثنا 
إسرائيل  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في قوله : ( 
يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا  ) ، قال : للإنسان شيطان ، وللجني شيطان ، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن ، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . 
قال 
أبو جعفر   : جعل 
عكرمة   nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي  في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما ، عدو الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله : ( 
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا  ) ، أولاد إبليس ، دون أولاد 
آدم ،  ودون الجن وجعل الموصوفين بأن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورا ، ولد إبليس ، وأن من مع ابن 
آدم  من ولد إبليس يوحي إلى من مع الجن من ولده زخرف القول غرورا . 
وليس لهذا التأويل وجه مفهوم ؛ لأن الله جعل إبليس وولده أعداء ابن 
آدم  ، فكل ولده لكل ولده عدو . وقد خص الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداء . فلو كان معنيا بذلك الشياطين الذين ذكرهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  ، الذين هم ولد إبليس ، لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبر عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداء ، وجه . وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائه ، مثل الذي جعل  
[ ص: 53 ] لهم . ولكن ذلك كالذي قلنا ، من أنه معني به أنه جعل مردة الإنس والجن لكل نبي عدوا يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذيهم به . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
13768 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
الحجاج بن المنهال  قال : حدثنا 
حماد  ، عن 
حميد بن هلال  قال : حدثني رجل من 
أهل دمشق  ، عن 
عوف بن مالك  ، عن 
أبي ذر   : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810505أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا ذر  ، هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، هل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم  ! 
13769 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح  ، عن 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
أبي عبد الله محمد بن أيوب  وغيره من المشيخة ، عن 
ابن عائذ  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811487عن أبي ذر  ، أنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس ، قال فقال : يا أبا ذر  ، هل صليت ؟ قال قلت : لا يا رسول الله . قال : قم فاركع ركعتين . قال : ثم جئت فجلست إليه فقال : يا أبا ذر ،  هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن ؟ قال قلت : يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم ، شر من شياطين الجن!  [ ص: 54 ] 
13770 - حدثنا 
محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا 
محمد بن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811488بلغني أن أبا ذر  قام يوما يصلي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تعوذ يا أبا ذر ،  من شياطين الإنس والجن . فقال : يا رسول الله ، أو إن من الإنس شياطين ؟ قال : نعم! 
وقال آخرون في ذلك بنحو الذي قلنا : من أن ذلك إخبار من الله أن شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض . 
ذكر من قال ذلك :  
[ ص: 55 ] 
13771 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
قتادة  في قوله : ( 
شياطين الإنس والجن  ) ، قال : من الجن شياطين ، ومن الإنس شياطين ، يوحي بعضهم إلى بعض قال 
قتادة   : بلغني 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810506أن أبا ذر  كان يوما يصلي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تعوذ يا أبا ذر  من شياطين الإنس والجن . فقال : يا نبي الله ، أو إن من الإنس شياطين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم! 
13772 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  قوله : ( 
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن  ) ، الآية ، ذكر لنا 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811489أن أبا ذر  قام ذات يوم يصلي ، فقال له نبي الله : تعوذ بالله من شياطين الجن والإنس . فقال : يا نبي الله ، أو للإنس شياطين كشياطين الجن ؟ قال : " نعم ، أو كذبت عليه ؟ 
13773 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
مجاهد   : ( 
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن  ) ، فقال : كفار الجن شياطين ، يوحون إلى شياطين الإنس ، كفار الإنس ، زخرف القول غرورا . 
وأما قوله : ( 
زخرف القول غرورا  ) ، فإنه المزين بالباطل ، كما وصفت قبل . يقال منه : " زخرف كلامه وشهادته " ، إذا حسن ذلك بالباطل ووشاه ، كما : - 
13774 - حدثنا 
سفيان بن وكيع  قال : حدثنا 
أبو نعيم ،  عن 
شريك  ، عن 
سعيد بن مسروق  ، عن 
عكرمة  قوله : ( زخرف القول غرورا ) قال : تزيين الباطل بالألسنة .  
[ ص: 56 ] 
13775 - حدثني 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : أما " الزخرف " ، فزخرفوه ، زينوه . 
13776 - حدثنا 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا 
عيسى  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( 
زخرف القول غرورا  ) ، قال : تزيين الباطل بالألسنة . 
13777 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  ، مثله . 
13778 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
زخرف القول غرورا  ) ، يقول : حسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم  . 
13779 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : ( 
زخرف القول غرورا  ) قال : " الزخرف " ، المزين ، حيث زين لهم هذا الغرور ، كما زين إبليس 
لآدم  ما جاءه به وقاسمه إنه له لمن الناصحين . وقرأ : ( 
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم  ) ، [ سورة فصلت : 25 ] . قال : ذلك الزخرف . 
وأما " 
الغرور  " ، فإنه ما غر الإنسان فخدعه فصده عن الصواب إلى الخطأ وعن الحق إلى الباطل وهو مصدر من قول القائل : " غررت فلانا بكذا وكذا ، فأنا أغره غرورا وغرا . كالذي : - 
13780 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( غرورا ) قال : يغرون به الناس والجن .