صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ودعوا ، أيها الناس ، علانية الإثم وذلك ظاهره ، وسره وذلك باطنه ، . كذلك : -

13794 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، أي : قليله وكثيره ، وسره وعلانيته .

13795 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : سره وعلانيته .

13796 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، يقول : سره وعلانيته وقوله : ( ما ظهر منها وما بطن ) ، [ سورة الأعراف : 33 ] ، قال : سره وعلانيته .

13797 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، [ ص: 73 ] عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه ، أن يعمل به سرا أو علانية ، وذلك ظاهره وباطنه .

13798 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، معصية الله في السر والعلانية .

13799 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : هو ما ينوي مما هو عامل .

ثم اختلف أهل التأويل في المعني بالظاهر من الإثم والباطن منه ، في هذا الموضع .

فقال بعضهم : " الظاهر منه " ، ما حرم جل ثناؤه بقوله : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ، [ سورة النساء : 23 ] ، وقوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) الآية ، و " الباطن منه " ، الزنى .

ذكر من قال ذلك :

13800 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، قال : الظاهر منه : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) والأمهات والبنات والأخوات " . والباطن " : الزنا .

وقال آخرون : " الظاهر " ، أولات الرايات من الزواني ، والباطن : ذوات الأخدان . [ ص: 74 ]

ذكر من قال ذلك :

13801 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) أما " ظاهره " ، فالزواني في الحوانيت ، وأما " باطنه " ، فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرا .

13802 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثني عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ، [ سورة الأنعام : 151 ] . كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنى ، ويرون ذلك حلالا ما كان سرا ، فحرم الله السر منه والعلانية . " ما ظهر منها " ، يعني العلانية " وما بطن " ، يعني السر .

13803 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين وأبيه ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ، قال : " ما ظهر منها " ، الجمع بين الأختين ، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده " وما بطن " الزنى .

وقال آخرون : " الظاهر " التعري والتجرد من الثياب ، وما يستر العورة في الطواف . " والباطن " الزنى .

ذكر من قال ذلك :

13804 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ، قال : ظاهره العرية التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت ، وباطنه : الزنى . [ ص: 75 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه ، وذلك سره وعلانيته . و " الإثم " كل ما عصي الله به من محارمه ، وقد يدخل في ذلك سر الزنى وعلانيته ، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن ، ونكاح حلائل الآباء والأمهات والبنات ، والطواف بالبيت عريانا ، وكل معصية لله ظهرت أو بطنت . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان جميع ذلك " إثما " ، وكان الله عم بقوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ، جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن ، لم يكن لأحد أن يخص من ذلك شيئا دون شيء ، إلا بحجة للعذر قاطعة .

غير أنه لو جاز أن يوجه ذلك إلى الخصوص بغير برهان ، كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع ، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم ، وما بين الله تحريمه في قوله : ( حرمت عليكم الميتة ) إلى آخر الآية ، أولى ، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى ، وهذه في سياقها . ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك ، وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله ، فخرج الأمر عاما بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم .

التالي السابق


الخدمات العلمية