صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( 141 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الإسراف " ، الذي نهى الله عنه بهذه الآية ، ومن المنهي عنه .

فقال بعضهم : المنهي عنه : رب النخل والزرع والثمر و " السرف " الذي نهى الله عنه في هذه الآية ، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال .

ذكر من قال ذلك :

14037 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : حدثنا عاصم ، عن أبي العالية في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا ) ، الآية ، قال : [ ص: 174 ] كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة ، ثم تسارفوا ، فأنزل الله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

14038 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا سوى الزكاة ، ثم تباروا فيه ، أسرفوا ، فقال الله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

14039 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ، ثم تسارفوا ، فقال الله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

14040 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، جد نخلا فقال : لا يأتين اليوم أحد إلا أطعمته ! فأطعم ، حتى أمسى وليست له ثمرة ، فقال الله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

14041 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ( ولا تسرفوا ) ، يقول : لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد ، أم في كل شيء ؟ قال : بلى ! في كل شيء ، ينهى عن السرف . قال : ثم عاودته بعد حين ، فقلت : ما قوله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ؟ قال : ينهى عن السرف في كل شيء . ثم تلا ( لم يسرفوا ولم يقتروا ) ، [ سورة الفرقان : 67 ] .

14042 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا [ ص: 175 ] سفيان بن حسين ، عن أبي بشر قال : أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة ، فسألوه : ما السرف ؟ فقال : ما دون أمر الله فهو سرف .

14043 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولا تسرفوا ) ، لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء .

وقال آخرون : " الإسراف " الذي نهى الله عنه في هذا الموضع : منع الصدقة والحق الذي أمر الله رب المال بإيتائه أهله بقوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) .

ذكر من قال ذلك :

14044 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الله ، عن عمرو بن سليم وغيره ، عن سعيد بن المسيب في قوله : ( ولا تسرفوا ) ، قال : لا تمنعوا الصدقة فتعصوا .

14045 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن الزبرقان قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ، والسرف ، أن لا يعطي في حق . [ ص: 176 ]

وقال آخرون : إنما خوطب بهذا السلطان . نهي أن يأخذ من رب المال فوق الذي ألزم الله ماله .

ذكر من قال ذلك .

14046 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد في قوله : ( ولا تسرفوا ) ، قال : قال للسلطان : " لا تسرفوا " ، لا تأخذوا بغير حق ، فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس يعني قوله : ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) ، الآية .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره نهى بقوله : ( ولا تسرفوا ) ، عن جميع معاني " الإسراف " ، ولم يخصص منها معنى دون معنى .

وإذ كان ذلك كذلك ، وكان " الإسراف " في كلام العرب الإخطاء بإصابة الحق في العطية ، إما بتجاوز حده في الزيادة ، وإما بتقصير عن حده الواجب كان معلوما أن المفرق ماله مباراة ، والباذله للناس حتى أجحفت به عطيته ، مسرف بتجاوزه حد الله إلى ما [ ليس له ] . وكذلك المقصر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه ، وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهل سهمان الصدقة إذا وجبت فيه ، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها . وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه . كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون ، داخلون [ ص: 177 ] في معنى من أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله : ( ولا تسرفوا ) ، في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم إذ كان ما قبله من الكلام أمرا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده . فإن الآية قد كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاص من الأمور ، والحكم بها على العام ، بل عامة آي القرآن كذلك . فكذلك قوله : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى " الإسراف " أنه على ما قلنا ، قول الشاعر :


أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف



يعني بالسرف الخطأ في العطية .

التالي السابق


الخدمات العلمية