[ ص: 208 ] القول في تأويل قوله ( 
سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا  ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول جل ثناؤه : ( سيقول الذين أشركوا ) ، وهم العادلون بالله الأوثان والأصنام من مشركي 
قريش   ( لو شاء الله ما أشركنا ) ، يقول : قالوا احتجازا من الإذعان للحق بالباطل من الحجة ، لما تبين لهم الحق ، وعلموا باطل ما كانوا عليه مقيمين من شركهم ، وتحريمهم ما كانوا يحرمون من الحروث والأنعام ، على ما قد بين تعالى ذكره في الآيات الماضية قبل ذلك : ( 
وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا  ) ، وما بعد ذلك : لو أراد الله منا الإيمان به ، وإفراده بالعبادة دون الأوثان والآلهة ، وتحليل ما حرم من البحائر والسوائب وغير ذلك من أموالنا ، ما جعلنا لله شريكا ، ولا جعل ذلك له آباؤنا من قبلنا ، ولا حرمنا ما نحرمه من هذه الأشياء التي نحن على تحريمها مقيمون ؛ لأنه قادر على أن يحول بيننا وبين ذلك ، حتى لا يكون لنا إلى فعل شيء من ذلك سبيل : إما بأن يضطرنا إلى الإيمان وترك الشرك به ، وإلى القول بتحليل ما حرمنا وإما بأن يلطف بنا بتوفيقه ، فنصير إلى الإقرار بوحدانيته ، وترك عبادة ما دونه من الأنداد والأصنام ، وإلى تحليل ما حرمنا ، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأوثان والأصنام ، واتخاذ الشريك له في العبادة والأنداد ، وأراد ما نحرم من الحروث والأنعام ، فلم يحل بيننا وبين ما نحن عليه من ذلك . 
قال الله مكذبا لهم في قيلهم : " إن الله رضي منا ما نحن عليه من الشرك ، وتحريم ما نحرم " ورادا عليهم باطل ما احتجوا به من حجتهم في ذلك  
[ ص: 209 ]  ( 
كذلك كذب الذين من قبلهم  ) ، يقول : كما كذب هؤلاء المشركون ، يا 
محمد ،  ما جئتهم به من الحق والبيان ، كذب من قبلهم من فسقة الأمم الذين طغوا على ربهم ما جاءتهم به أنبياؤهم من آيات الله وواضح حججه ، وردوا عليهم نصائحهم ( حتى ذاقوا بأسنا ) ، يقول : حتى أسخطونا فغضبنا عليهم ، فأحللنا بهم بأسنا فذاقوه ، فعطبوا بذوقهم إياه ، فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة . يقول : وهؤلاء الآخرون مسلوك بهم سبيلهم ، إن هم لم ينيبوا فيؤمنوا ويصدقوا بما جئتهم به من عند ربهم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
14129 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح  ، عن 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس  قوله : ( 
لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا  ) ، وقال : ( 
كذلك كذب الذين من قبلهم  ) ، ثم قال : ( 
ولو شاء الله ما أشركوا  ) ، فإنهم قالوا : " عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفى " ، فأخبرهم الله أنها لا تقربهم ، وقوله : ( 
ولو شاء الله ما أشركوا  ) ، يقول الله سبحانه : لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين . 
14130 - حدثنا 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  ، عن 
عيسى  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( ولا حرمنا من شيء ) ، قال : قول 
قريش  يعني : إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة . 
14131 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : ( ولا حرمنا من شيء ) ، قول 
قريش  بغير يقين : إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة .  
[ ص: 210 ] 
فإن قال قائل : وما برهانك على أن الله تعالى إنما كذب من قيل هؤلاء المشركين قولهم : " رضي الله منا عبادة الأوثان ، وأراد منا تحريم ما حرمنا من الحروث والأنعام " ، دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم : ( 
لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء  ) ، وعلى وصفهم إياه بأنه قد شاء شركهم وشرك آبائهم ، وتحريمهم ما كانوا يحرمون ؟ 
قيل له : الدلالة على ذلك قوله : ( 
كذلك كذب الذين من قبلهم  ) ، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم 
محمدا  صلى الله عليه وسلم فيما آتاهم به من عند الله من النهي عن عبادة شيء غير الله تعالى ذكره ، وتحريم غير ما حرم الله في كتابه وعلى لسان رسوله مسلك أسلافهم من الأمم الخالية المكذبة الله ورسوله . والتكذيب منهم إنما كان لمكذب ، ولو كان ذلك خبرا من الله عن كذبهم في قيلهم : ( 
لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا  ) ، لقال : "كذلك كذب الذين من قبلهم " ، بتخفيف " الذال " ، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله ، لا إلى التكذيب مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب ، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه .