صفحة جزء
[ ص: 373 ] القول في تأويل قوله ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا بني آدم ، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوآتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم ، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما ، فأخرجهما - بما سبب لهما من مكره وخدعه - من الجنة ، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس ، ليريهما سوآتهما بكشف عورتهما ، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترة .

وقد بينا فيما مضى أن معنى " الفتنة " ، الاختبار والابتلاء ، بما أغنى عن إعادته .

وقد اختلف أهل التأويل في صفة " اللباس " الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا ، وما كان .

فقال بعضهم : كان ذلك أظفارا .

ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك :

14451 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عكرمة : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، قال : لباس كل دابة منها ، ولباس الإنسان الظفر ، فأدركت آدم التوبة عند ظفره أو قال : أظفاره .

14452 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن [ ص: 374 ] نضر أبي عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : تركت أظفاره عليه زينة ومنافع ، في قوله : ( ينزع عنهما لباسهما ) .

14453 - حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال ، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال ، أخبرنا مخلد بن الحسين ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في قوله : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، قال : كان لباسهما الظفر ، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما ، وتركت الأظفار تذكرة وزينة .

14454 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، قال : كان لباسه الظفر ، فانتهت توبته إلى أظفاره .

وقال آخرون : كان لباسهما نورا .

ذكر من قال ذلك :

14455 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن وهب بن منبه : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، النور .

14456 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة قال ، حدثنا عمرو قال ، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله : ( ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما ) ، قال : كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما ، لا يرى هذا عورة هذه ، ولا هذه عورة هذا . [ ص: 375 ]

وقال آخرون : إنما عنى الله بقوله : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، يسلبهما تقوى الله .

ذكر من قال ذلك :

14457 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مطلب بن زياد ، عن ليث ، عن مجاهد : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، قال : التقوى .

14458 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : ( ينزع عنهما لباسهما ) ، قال : التقوى .

14459 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء ، وأن يجردهم من لباس الله الذي أنزله إليهم ، كما نزع عن أبويهم لباسهما . " اللباس " المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس ، وهو ما اجتاب فيه اللابس من أنواع الكسى ، أو غطى بدنه أو بعضه .

وإذ كان ذلك كذلك ، فالحق أن يقال : إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان ، هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعورتهما . أخبرنا [ ص: 376 ] وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظفرا ويجوز أن يكون كان ذلك نورا ويجوز أن يكون غير ذلك ولا خبر عندنا بأي ذلك تثبت به الحجة ، فلا قول في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جل ثناؤه : ( ينزع عنهما لباسهما ) .

وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراج آدم وحواء من الجنة ، ونزع ما كان عليهما من اللباس عنهما ، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه ، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تسنية ذلك لهما بمكره وخداعه ، فأضيف إليه أحيانا بذلك المعنى ، وإلى الله أحيانا بفعله ذلك بهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية