صفحة جزء
[ ص: 382 ] القول في تأويل قوله ( كما بدأكم تعودون ( 29 ) فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( كما بدأكم تعودون ) .

فقال بعضهم : تأويله : كما بدأكم أشقياء وسعداء ، كذلك تبعثون يوم القيامة .

ذكر من قال ذلك :

14478 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) ، قال : إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا ، كما قال جل ثناؤه : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) ، [ سورة التغابن : 2 ] ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم ، مؤمنا وكافرا .

14479 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور قال ، حدثنا أصحابنا ، عن ابن عباس : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : يبعث المؤمن مؤمنا ، والكافر كافرا .

14480 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يحيى بن الضريس ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن رجل ، عن جابر قال : يبعثون على ما كانوا عليه ، المؤمن على إيمانه ، والمنافق على نفاقه .

14481 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : عادوا إلى علمه فيهم ، ألم تسمع إلى قول الله فيهم : ( كما بدأكم تعودون ) ؟ ألم تسمع قوله : ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) ؟ . [ ص: 383 ]

14482 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : ردوا إلى علمه فيهم .

14483 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا أبو همام الأهوازي قال ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : من ابتدأ الله خلقه على الشقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه ، وإن عمل بأعمال أهل السعادة ، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة ، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه . ومن ابتدئ خلقه على السعادة ، صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه ، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء ، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء ، ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم .

14484 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن وقاء بن إياس أبي يزيد ، عن مجاهد : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : يبعث المسلم مسلما ، والكافر كافرا .

14485 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو دكين قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي يزيد ، عن مجاهد : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : يبعث المسلم مسلما ، والكافر كافرا .

14486 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : كما كتب عليكم تكونون . [ ص: 384 ]

14487 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، مثله .

14488 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) ، يقول : كما بدأكم تعودون ، كما خلقناكم ، فريق مهتدون ، وفريق ضال ، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم .

14489 - حدثنا ابن بشار ، قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا أبي سفيان ، عن الأعمش ، عن سفيان ، عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تبعث كل نفس على ما كانت عليه .

14490 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : كما كتب عليكم تكونون .

14491 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ليث ، عن مجاهد قال ، يبعث المؤمن مؤمنا ، والكافر كافرا .

14492 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كما بدأكم تعودون ) ، شقيا وسعيدا .

14493 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك قراءة عن مجاهد ، مثله . [ ص: 385 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : كما خلقكم ولم تكونوا شيئا ، تعودون بعد الفناء .

ذكر من قال ذلك :

14494 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا غندر ، عن عوف ، عن الحسن : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : كما بدأكم ولم تكونوا شيئا فأحياكم ، كذلك يميتكم ، ثم يحييكم يوم القيامة .

14495 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن الحسن : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : كما بدأكم في الدنيا ، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء .

14496 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئا ، ثم ذهبوا ، ثم يعيدهم .

14497 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( كما بدأكم تعودون فريقا هدى ) ، يقول : كما خلقناكم أول مرة ، كذلك تعودون .

14498 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( كما بدأكم تعودون ) ، يحييكم بعد موتكم .

14499 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( كما بدأكم تعودون ) ، قال : كما خلقهم أولا كذلك يعيدهم آخرا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، القول الذي قاله من قال : معناه : كما بدأكم الله خلقا بعد أن لم تكونوا شيئا ، تعودون بعد فنائكم خلقا مثله ، يحشركم إلى يوم القيامة لأن الله تعالى ذكره : أمر نبيه صلى الله [ ص: 386 ] عليه وسلم أن يعلم بما في هذه الآية قوما مشركين أهل جاهلية ، لا يؤمنون بالمعاد ، ولا يصدقون بالقيامة . فأمره أن يدعوهم إلى الإقرار بأن الله باعثهم يوم القيامة ، ومثيب من أطاعه ، ومعاقب من عصاه . فقال له : قل لهم : أمر ربي بالقسط ، وأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد ، وأن ادعوه مخلصين له الدين ، وأن أقروا بأن كما بدأكم تعودون فترك ذكر " وأن أقروا بأن " . كما ترك ذكر " أن " مع " أقيموا " ، إذ كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه .

وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لأن يؤمر بدعاء من كان جاحدا النشور بعد الممات ، إلى الإقرار بالصفة التي عليها ينشر من نشر ، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك من كان بالبعث مصدقا ، فأما من كان له جاحدا ، فإنما يدعى إلى الإقرار به ، ثم يعرف كيف شرائط البعث . على أن في الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : -

14500 - حدثناه محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثني المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحشر الناس عراة غرلا وأول من يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم . ثم قرأ : ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) ، [ سورة الأنبياء : 104 ]

14501 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا إسحاق بن يوسف قال ، حدثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

14502 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فقال : يا أيها الناس ، إنكم تحشرون [ ص: 387 ] إلى الله حفاة غرلا ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) .

ما يبين صحة القول الذي قلنا في ذلك ، من أن معناه : أن الخلق يعودون إلى الله يوم القيامة خلقا أحياء ، كما بدأهم في الدنيا خلقا أحياء .

يقال منه : " بدأ الله الخلق يبدؤهم وأبدأهم يبدئهم إبداء " ، بمعنى خلقهم ، لغتان فصيحتان .

ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه ، وجرى به فيهم قضاؤه ، فقال : هدى الله منهم فريقا فوفقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون ، وحق على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد ، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليا .

وإذا كان التأويل هذا ، كان " الفريق " الأول منصوبا بإعمال " هدى " فيه ، و " الفريق " ، الثاني بوقوع قوله : " حق " على عائد ذكره في " عليهم " ، كما قال جل ثناؤه : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) ، [ سورة الإنسان : 31 ] [ ص: 388 ]

ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه : كما بدأكم في الدنيا صنفين : كافرا ، ومؤمنا ، كذلك تعودون في الآخرة فريقين : فريقا هدى ، وفريقا حق عليهم الضلالة ، نصب " فريقا " ، الأول بقوله : " تعودون " ، وجعل الثاني عطفا عليه . وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية