صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( 59 ) )

قال أبو جعفر : أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية : أنه أرسل نوحا إلى قومه ، منذرهم بأسه ، ومخوفهم سخطه ، على عبادتهم غيره ، فقال لمن كفر منهم : يا قوم ، اعبدوا الله الذي له العبادة ، وذلوا له بالطاعة ، واخضعوا له بالاستكانة ، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة ، فإنه ليس لكم معبود يستوجب عليكم العبادة غيره ، فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك " عذاب يوم عظيم " ، يعني : عذاب يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربكم .

وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله : " غيره " .

فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة : ( ما لكم من إله غيره ) ، بخفض " غير " على النعت ل " إله " .

وقرأه جماعة من أهل المدينة والبصرة والكوفة : ( ما لكم من إله غيره ) ، [ ص: 499 ] برفع " غير " ، ردا لها على موضع " من " ، لأن موضعها رفع ، لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعا ، وقيل : "ما لكم إله غير الله " . فالعرب [ لما وصفت من أن المعلوم بالكلام ] أدخلت " من " فيه أو أخرجت ، وأنها تدخلها أحيانا في مثل هذا من الكلام ، وتخرجها منه أحيانا ، ترد ما نعتت به الاسم الذي عملت فيه على لفظه ، فإذا خفضت ، فعلى كلام واحد ، لأنها نعت ل " الإله " . وأما إذا رفعت ، فعلى كلامين : " ما لكم غيره من إله " ، وهذا قول يستضعفه أهل العربية .

التالي السابق


الخدمات العلمية