القول في 
تأويل قوله ( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم  ( 109 ) 
يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون  ( 110 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره : قالت الجماعة من رجال 
قوم فرعون  والأشراف منهم "إن هذا" ، يعنون 
موسى  صلوات الله عليه "لساحر  
[ ص: 19 ] عليم" ، يعنون : أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم ، حتى يخيل إليهم العصا حية ، والآدم أبيض ، والشيء بخلاف ما هو به . ومنه قيل : "سحر المطر الأرض" ، إذا جادها ، فقطع نباتها من أصوله ، وقلب الأرض ظهرا لبطن ، فهو يسحرها سحرا" ، و"الأرض مسحورة" ، إذا أصابها ذلك . فشبه "سحر الساحر" بذلك ، لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به ، ومنه قول ذي الرمة في صفة السراب : 
وساحرة العيون من الموامي ترقص في نواشرها الأروم 
 . 
وقوله ( عليم ) يقول : ساحر عليم بالسحر " 
يريد أن يخرجكم من أرضكم  [ ص: 20 ]  " أرض 
مصر ،  معشر القبط السحرة . وقال 
فرعون  للملأ " 
فماذا تأمرون  " يقول : فأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره؟ بأي شيء تشيرون فيه؟ 
وقيل : " 
فماذا تأمرون  " ، والخبر بذلك عن 
فرعون  ، ولم يذكر 
فرعون  ، وقلما يجيء مثل ذلك في الكلام ، وذلك نظير قوله : ( 
قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب  ) ، [ يوسف : 51 - 52 ] . فقيل : " 
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب  " ، من قول 
يوسف  ، ولم يذكر 
يوسف ،  ومن ذلك أن يقول : "قلت لزيد قم ، فإنى قائم" ، وهو يريد : "فقال زيد : إني قائم" .