1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق "
صفحة جزء
[ ص: 139 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ذلك " ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، وإحلاله غضبه بهم . فدل بقوله : " ذلك " - وهي يعني به ما وصفنا - على أن قول القائل : " ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها .

ويعني بقوله : ( بأنهم كانوا يكفرون ) ، من أجل أنهم كانوا يكفرون . يقول : فعلنا بهم - من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم - من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ، كما قال أعشى بني ثعلبة :


مليكية جاورت بالحجا ز قوما عداة وأرضا شطيرا     بما قد تربع روض القطا
وروض التناضب حتى تصيرا

يعني بذلك : جاورت بهذا المكان ، هذه المرأة ، قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله - لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده - من تربعها روض القطا وروض التناضب . [ ص: 140 ] فكذلك قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ) ، يقول : كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا ، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا .

وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى " الكفر " : تغطية الشيء وستره ، وأن " آيات الله " حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله .

فمعنى الكلام إذا : فعلنا بهم ذلك ، من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده وتصديق رسله ، ويدفعون حقيتها ، ويكذبون بها .

ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) : ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم - لإنباء ما أرسلهم به عنه - لمن أرسلوا إليه .

وهم جماع ، واحدهم " نبي " ، غير مهموز ، وأصله الهمز ، لأنه من " أنبأ عن الله فهو ينبئ عنه إنباء " ، وإنما الاسم منه ، " منبئ " ولكنه صرف وهو " مفعل " إلى " فعيل " ، كما صرف " سميع " إلى " فعيل " من " مسمع " ، و" بصير " من " مبصر " ، وأشباه ذلك ، وأبدل مكان الهمزة من " النبيء " الياء ، فقيل : " نبي " . هذا ويجمع " النبي " أيضا على " أنبياء " ، وإنما جمعوه كذلك ، لإلحاقهم " النبيء " ، بإبدال الهمزة منه ياء ، بالنعوت التي تأتي على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو . وذلك أنهم إذا جمعوا ما كان من النعوت على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو ، جمعوه على " أفعلاء " كقولهم : " ولي وأولياء " ، و" وصي وأوصياء " [ ص: 141 ] ، و" دعي وأدعياء " . ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله ، وعلى أن الواحد " نبيء " مهموز ، لجمعوه على " فعلاء " ، فقيل لهم " النبآء " ، على مثال " النبهاء " ، لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت ، كجمعهم الشريك شركاء ، والعليم علماء ، والحكيم حكماء ، وما أشبه ذلك . وقد حكي سماعا من العرب في جمع " النبي " " النبآء " ، وذلك من لغة الذين يهمزون " النبيء " ، ثم يجمعونه على " النبآء " - على ما قد بينت . ومن ذلك قول عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم .


يا خاتم النبآء إنك مرسل     بالخير كل هدى السبيل هداكا

فقال : " يا خاتم النبآء " ، على أن واحدهم " نبيء " مهموز . وقد قال بعضهم : " النبي " و" النبوة " غير مهموز ، لأنهما مأخوذان من " النبوة " ، وهي مثل " النجوة " ، وهو المكان المرتفع ، وكان يقول : إن أصل " النبي " الطريق ، ويستشهد على ذلك ببيت القطامي :


لما وردن نبيا واستتب بها     مسحنفر كخطوط السيح منسحل

[ ص: 142 ] يقول : إنما سمى الطريق " نبيا " ، لأنه ظاهر مستبين ، من " النبوة " . ويقول : لم أسمع أحدا يهمز " النبي " . قال . وقد ذكرنا ما في ذلك ، وبينا ما فيه الكفاية إن شاء الله .

ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) ، أنهم كانوا يقتلون رسل الله ، بغير إذن الله لهم بقتلهم ، منكرين رسالتهم ، جاحدين نبوتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية