صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ( 152 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " إن الذين اتخذوا العجل " إلها " سينالهم غضب من ربهم " ، بتعجيل الله لهم ذلك "وذلة" ، وهي الهوان ، لعقوبة الله [ ص: 134 ] إياهم على كفرهم بربهم " في الحياة الدنيا " ، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة .

وكان ابن جريج يقول في ذلك بما : -

15147 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين " ، قال : هذا لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى عليه السلام ، ومن فر منهم حين أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعضا .

قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه ، فإن ظاهر كتاب الله ، مع تأويل أكثر أهل التأويل ، بخلافه . وذلك أن الله عم بالخبر عمن اتخذ العجل أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ، وتظاهرت الأخبار عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين بأن الله إذ رجع إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام ، تاب على عبدة العجل من فعلهم بما أخبر به عن قيل موسى عليه السلام في كتابه ، وذلك قوله : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) [ سورة البقرة : 54 ] ، ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم . فكان أمر الله إياهم بما أمرهم به من قتل بعضهم أنفس بعض ، عن غضب منه عليهم بعبادتهم العجل . فكان قتل بعضهم بعضا هوانا لهم وذلة أذلهم الله بها في الحياة الدنيا ، وتوبة منهم إلى الله قبلها . وليس لأحد أن يجعل خبرا جاء الكتاب بعمومه ، في خاص مما عمه الظاهر ، بغير برهان من حجة خبر أو عقل . ولا نعلم خبرا جاء بوجوب نقل ظاهر قوله : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم " ، إلى باطن خاص ولا من العقل عليه دليل ، فيجب إحالة ظاهره إلى باطنه . [ ص: 135 ]

ويعني بقوله : " وكذلك نجزي المفترين " ، وكما جزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلها ، من إحلال الغضب بهم ، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربهم ، وردتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله ، كذلك نجزي كل من افترى على الله ، فكذب عليه ، وأقر بألوهية غيره ، وعبد شيئا سواه من الأوثان ، بعد إقراره بوحدانية الله ، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقيل ذلك ، إذا لم يتب من كفره قبل قتله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15148 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أيوب قال : تلا أبو قلابة : " سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا " الآية ، قال : فهو جزاء كل مفتر يكون إلى يوم القيامة : أن يذله الله عز وجل .

15149 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب قال : قرأ أبو قلابة يوما هذه الآية : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين " ، قال : هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة .

15150 - . . . قال حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، وحميد : أن قيس بن عباد ، وجارية بن قدامة ، دخلا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقالا : أرأيت هذا الأمر الذي أنت فيه وتدعو إليه ، أعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم رأي رأيته؟ قال : ما لكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا! فقالا : والله لا نعرض عنه حتى تخبرنا! فقال : ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتابا في قراب سيفي هذا! فاستله ، فأخرج الكتاب من قراب سيفه ، وإذا فيه : "إنه لم يكن نبي إلا له حرم ، وأني حرمت المدينة [ ص: 136 ] كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ، لا يحمل فيها السلاح لقتال . من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل" . فلما خرجا قال أحدهما لصاحبه : أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه وقالا : إنا سمعنا الله يقول " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم " ، الآية ، وإن القوم قد افتروا فرية ، ولا أدري إلا سينزل بهم ذلة .

15151 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : في قوله : " وكذلك نجزي المفترين " قال : كل صاحب بدعة ذليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية