القول في 
تأويل قوله ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  ( 164 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم : واذكر أيضا ، يا 
محمد   "إذ قالت أمة منهم" ، جماعة منهم لجماعة كانت تعظ المعتدين في السبت ، وتنهاهم عن معصية الله فيه " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  [ ص: 185 ]  " ، في الدنيا بمعصيتهم إياه ، وخلافهم أمره ، واستحلالهم ما حرم عليهم " 
أو معذبهم عذابا شديدا  " ، في الآخرة ، قال الذين كانوا ينهونهم عن معصية الله مجيبيهم عن قولهم : عظتنا إياهم معذرة إلى ربكم ، نؤدي فرضه علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " 
ولعلهم يتقون  " ، يقول : ولعلهم أن يتقوا الله فيخافوه ، فينيبوا إلى طاعته ، ويتوبوا من معصيتهم إياه ، وتعديهم على ما حرم عليهم من اعتدائهم في السبت ، كما : - 
15264 - حدثنا 
ابن حميد  قال ، حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   : " 
قالوا معذرة إلى ربكم  " ، لسخطنا أعمالهم . 
"ولعلهم يتقون" ، : أي ينزعون عما هم عليه . 
15265 - حدثني 
يونس  قال ، أخبرنا 
ابن وهب  قال ، قال 
ابن زيد  ، في قوله : " 
ولعلهم يتقون  " قال : يتركون هذا العمل الذي هم عليه  . 
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " 
قالوا معذرة  " . فقرأ ذلك عامة قرأة 
الحجاز  والكوفة  والبصرة   : ( معذرة ) بالرفع ، على ما وصفت من معناها . 
وقرأ ذلك بعض 
أهل الكوفة   : ( معذرة ) نصبا ، بمعنى : إعذارا وعظناهم وفعلنا ذلك .  
[ ص: 186 ] 
واختلف أهل العلم في هذه الفرقة التي قالت : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " ، هل كانت من الناجية ، أم من الهالكة! 
فقال بعضهم : كانت من الناجية ، لأنها كانت هي الناهية الفرقة الهالكة عن الاعتداء في السبت . 
ذكر من قال ذلك : 
15266 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال ، حدثني 
معاوية  ، عن 
علي  ، عن 
ابن عباس  قوله : " 
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  " ، هي قرية على شاطئ البحر بين 
مكة  والمدينة ،  يقال لها : " 
أيلة   " ، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعا في ساحل البحر . فإذا مضى يوم السبت ، لم يقدروا عليها . فمكثوا بذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة ، وقالوا : تأخذونها ، وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم ! فلم يزدادوا إلا غيا وعتوا ، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم . فلما طال ذلك عليهم ، قالت طائفة من النهاة : تعلموا أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب ، لم تعظون قوما الله مهلكهم ، وكانوا أشد غضبا لله من الطائفة الأخرى ، فقالوا : " 
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  " ، وكل قد كانوا ينهون ، فلما وقع عليهم غضب الله ، نجت الطائفتان اللتان قالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " ، والذين قالوا : " 
معذرة إلى ربكم  " ، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان ، فجعلهم قردة وخنازير . 
15267 - حدثني 
محمد بن سعد  قال ، حدثني أبي ، قال حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   : " 
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر  [ ص: 187 ] إلى قوله : " 
ويوم لا يسبتون لا تأتيهم  " ، وذلك أن أهل قرية كانت حاضرة البحر ، كانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم . يقول : إذا كانوا يوم يسبتون تأتيهم شرعا يعني : من كل مكان ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ، وأنهم قالوا : لو أنا أخذنا من هذه الحيتان يوم تجيء ما يكفينا فيما سوى ذلك من الأيام! فوعظهم قوم مؤمنون ونهوهم . وقالت طائفة من المؤمنين : إن هؤلاء قوم قد هموا بأمر ليسوا بمنتهين دونه ، والله مخزيهم ومعذبهم عذابا شديدا . قال المؤمنون بعضهم لبعض : " 
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  " ، إن كان هلاك ، فلعلنا ننجو ، وإما أن ينتهوا فيكون لنا أجرا . وقد كان الله جعل على 
بني إسرائيل  يوما يعبدونه ويتفرغون له فيه ، وهو يوم الاثنين . فتعدى الخبثاء من الاثنين إلى السبت ، وقالوا : هو يوم السبت! فنهاهم 
موسى  ، فاختلفوا فيه ، فجعل عليهم السبت ، ونهاهم أن يعملوا فيه وأن يعتدوا فيه ، وأن رجلا منهم ذهب ليحتطب ، فأخذه 
موسى  عليه السلام فسأله : هل أمرك بهذا أحد؟ فلم يجد أحدا أمره ، فرجمه أصحابه  . 
15268 - حدثني 
موسى  قال ، حدثنا 
عمرو  قال ، حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  قال : قال بعض الذين نهوهم لبعض : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  " ، يقول : لم تعظونهم ، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم؟ فقال بعضهم : " 
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  " . 
15269 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  قال ، حدثنا 
معاذ بن هانئ  قال ، حدثنا 
حماد  ، عن 
داود  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   : " 
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  " ، قال : ما أدري أنجا الذين قالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " أم لا! قال : فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا ، فكساني حلة  .  
[ ص: 188 ] 
15270 - حدثني 
المثنى  قال ، حدثنا 
حماد  ، عن 
داود  ، عن 
عكرمة  قال : قرأ 
ابن عباس  هذه الآية ، فذكر نحوه إلا أنه قال في حديثه : فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا . 
15271 - حدثني 
سلام بن سالم الخزاعي  قال ، حدثنا 
يحيى بن سليم الطائفي  قال ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، عن 
عكرمة  قال : دخلت على 
ابن عباس  والمصحف في حجره ، وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ، جعلني الله فداءك؟ قال : فقرأ : " 
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر  " ، إلى قوله : ( 
بما كانوا يفسقون  " . ) قال 
ابن عباس   : لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت ، نخاف أن نكون مثلهم! فقلت : أما تسمع الله يقول : " 
فلما عتوا عن ما نهوا عنه  "؟ فسري عنه ، وكساني حلة  . 
15272 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال ، أخبرنا 
عبد الرزاق  قال ، أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال ، حدثني رجل ، عن 
عكرمة  قال : جئت 
ابن عباس  يوما وهو يبكي ، وإذا المصحف في حجره ، فأعظمت أن أدنو ، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست ، فقلت : ما يبكيك يا 
ابن عباس ،  جعلني الله فداءك؟ فقال : هؤلاء الورقات! قال : وإذا هو في "سورة الأعراف" ، قال : تعرف 
أيلة   ! قلت : نعم! قال : فإنه كان حي من 
يهود ،  سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا ، بعد كد ومؤنة شديدة ، كانت تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها الماخض ، تنبطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم وأبنيتهم . فكانوا كذلك برهة من الدهر ، ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال :  
[ ص: 189 ] إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ، فخذوها فيه ، وكلوها في غيره من الأيام ! فقالت ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة منهم : بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت . وكانوا كذلك ، حتى جاءت الجمعة المقبلة ، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة ذات اليمين ، وتنحت ، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت . وقال الأيمنون : ويلكم! الله ، الله ، ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله! وقال الأيسرون : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  "؟ قال الأيمنون : " 
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  "! أي : ينتهون ، فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا ، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم . فمضوا على الخطيئة ، فقال الأيمنون : قد فعلتم ، يا أعداء الله! والله لا نبايتكم الليلة في مدينتكم ، والله ما نراكم تصبحون حتى يصيبكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده بالعذاب ! فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا ، فلم يجابوا ، فوضعوا سلما ، وأعلوا سور المدينة رجلا فالتفت إليهم فقال : أي عباد الله ، قردة والله تعاوى لها أذناب! قال : ففتحوا فدخلوا عليهم ، فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة ، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي ، فتقول لهم : ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها : نعم! ثم قرأ 
ابن عباس   : ( 
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون  [ ص: 190 ]  ) . قال : فأرى 
اليهود  الذين نهوا قد نجوا ، ولا أرى الآخرين ذكروا ، ونحن نرى أشياء ننكرها فلا نقول فيها! قال : قلت : إن ، جعلني الله فداك ، ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه ، وخالفوهم وقالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم  "؟ قال : فأمر بي فكسيت بردين غليظين  . 
15273 - حدثنا 
بشر بن معاذ  قال ، حدثنا 
يزيد  قال ، حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة ،   " 
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر  " ، ذكر لنا أنه إذا كان يوم السبت أقبلت الحيتان ، حتى تتبطح على سواحلهم وأفنيتهم ، لما بلغها من أمر الله في الماء ، فإذا كان في غير يوم السبت ، بعدت في الماء حتى يطلبها طالبهم . فأتاهم الشيطان فقال : إنما حرم عليكم أكلها يوم السبت ، فاصطادوها يوم السبت وكلوها فيما بعد! . . . . . قوله : " 
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  " ، صار القوم ثلاثة أصناف ، أما صنف فأمسكوا عن حرمة الله ونهوا عن معصية الله ، وأما صنف فأمسك عن حرمة الله هيبة لله ، وأما صنف فانتهك الحرمة ووقع في الخطيئة  .  
[ ص: 191 ] 
15274 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال ، حدثنا 
أبو عاصم  قال ، حدثنا 
عيسى  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  ، عن 
ابن عباس  في قول الله : " 
حاضرة البحر  " ، قال : حرمت عليهم الحيتان يوم السبت ، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعا ، بلاء ابتلوا به ، ولا تأتيهم في غيره إلا أن يطلبوها ، بلاء أيضا ، بما كانوا يفسقون . فأخذوها يوم السبت استحلالا ومعصية ، فقال الله لهم : " 
كونوا قردة خاسئين  " ، إلا طائفة منهم لم يعتدوا ونهوهم ، فقال بعضهم لبعض : " 
لم تعظون قوما  " . 
15275 - حدثني 
يونس  قال ، أخبرنا 
ابن وهب  قال ، قال 
ابن زيد  في قوله : " 
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم  " حتى بلغ " 
ولعلهم يتقون  " ، لعلهم يتركون ما هم عليه . قال : كانوا قد بلوا بكف الحيتان عنهم ، وكانوا يسبتون في يوم السبت ولا يعملون فيه شيئا ، فإذا كان يوم السبت أتتهم الحيتان شرعا ، وإذا كان غير يوم السبت لم يأت حوت واحد . قال : وكانوا قوما قد قرموا بحب الحيتان ولقوا منه بلاء ، فأخذ رجل منهم حوتا فربط في ذنبه خيطا ، ثم ربطه إلى خشفة ، ثم تركه في الماء ، حتى إذا غربت الشمس من يوم الأحد ، اجتره بالخيط ثم شواه . فوجد جار له ريح حوت ، فقال : يا فلان ، إني أجد في بيتك ريح نون! فقال : لا! قال : فتطلع في تنوره فإذا هو فيه ، فأخبره حينئذ الخبر ، فقال : إني أرى الله سيعذبك . قال : فلما لم يره عجل عذابا ، فلما أتى السبت الآخر أخذ اثنين فربطهما ، ثم اطلع جار له عليه ، فلما رآه لم يعجل عذابا ، جعلوا يصيدونه ، فاطلع أهل القرية عليهم ، فنهاهم الذين ينهون عن  
[ ص: 192 ] المنكر ، فكانوا فرقتين : فرقة تنهاهم وتكف ، وفرقة تنهاهم ولا تكف . فقال الذين نهوا وكفوا ، للذين ينهون ولا يكفون : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  "؟ فقال الآخرون : " 
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون  " . فقال الله : ( 
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء  ) . إلى قوله : ( 
بما كانوا يفسقون  ) قال الله ( 
فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين  ) . وقال لهم أهل تلك القرية : عملتم بعمل سوء ، من كان يريد يعتزل ويتطهر فليعتزل هؤلاء ! قال : فاعتزل هؤلاء وهؤلاء في مدينتهم ، وضربوا بينهم سورا ، فجعلوا في ذلك السور أبوابا يخرج بعضهم إلى بعض . قال : فلما كان الليل طرقهم الله بعذاب ، فأصبح أولئك المؤمنون لا يرون منهم أحدا ، فدخلوا عليهم فإذا هم قردة ، الرجل وأزواجه وأولاده ، فجعلوا يدخلون على الرجل يعرفونه فيقولون : يا فلان ، ألم نحذرك سطوات الله؟ ألم نحذرك نقمات الله؟ ونحذرك ونحذرك؟ قال : فليس إلا بكاء! قال : وإنما عذب الله الذين ظلموا ، الذين أقاموا على ذلك . قال : وأما الذين نهوا ، فكلهم قد نهى ، ولكن بعضهم أفضل من بعض . فقرأ : ( 
أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون  )  . 
15276 - حدثنا 
ابن وكيع  قال ، حدثنا 
المحاربي  ، عن 
داود  ، عن 
عكرمة  قال : قرأ 
ابن عباس  هذه الآية : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  " ، قال : لا أدري أنجا القوم أو هلكوا؟ فما زلت أبصره حتى عرف أنهم نجوا ، وكساني حلة  .  
[ ص: 193 ] 
15277 - حدثني 
يونس  قال ، أخبرني 
أشهب بن عبد العزيز  ، عن 
مالك  قال : زعم 
ابن رومان  أن قوله : " 
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم  " ، قال : كانت تأتيهم يوم السبت ، فإذا كان المساء ذهبت ، فلا يرى منها شيء إلى السبت . فاتخذ لذلك رجل منهم خيطا ووتدا ، فربط حوتا منها في الماء يوم السبت ، حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه ، فوجد الناس ريحه ، فأتوه فسألوه عن ذلك ، فجحدهم ، فلم يزالوا به حتى قال لهم : فإنه جلد حوت وجدناه! فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك ولا أدري لعله قال : ربط حوتين فلما أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه ، فوجدوا ريحه ، فجاءوا فسألوه ، فقال لهم : لو شئتم صنعتم كما أصنع! فقالوا له : وما صنعت؟ فأخبرهم ، ففعلوا مثل ما فعل ، حتى كثر ذلك . وكانت لهم مدينة لها ربض ، فغلقوها ، فأصابهم من المسخ ما أصابهم . فغدا إليهم جيرانهم ممن كان يكون حولهم ، يطلبون منهم ما يطلب الناس ، فوجدوا المدينة مغلقة عليهم ، فنادوا فلم يجيبوهم ، فتسوروا عليهم ، فإذا هم قردة ، فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كان يعرف قبل ذلك ، ويدنو منه ويتمسح به  . 
وقال آخرون : بل الفرقة التي قالت : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " ، كانت من الفرقة الهالكة . 
ذكر من قال ذلك : 
15278 - حدثنا 
ابن وكيع  قال ، حدثنا 
ابن إدريس  ، عن 
محمد بن إسحاق  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن حصين  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   : " 
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر  " إلى قوله : "شرعا" ، قال : قال 
ابن عباس   : ابتدعوا السبت فابتلوا فيه ، فحرمت عليهم فيه الحيتان ، فكانوا إذا كان يوم  
[ ص: 194 ] السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر . فإذا انقضى السبت ، ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل ، فإذا جاء السبت جاءت شرعا . فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك ، ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فخزمه بأنفه ، ثم ضرب له وتدا في الساحل ، وربطه وتركه في الماء . فلما كان الغد ، أخذه فشواه فأكله . ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ، ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه ، حتى ظهر ذلك في الأسواق وفعل علانية . قال : فقالت طائفة للذين ينهون : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم  " ، في سخطنا أعمالهم ، " 
ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به  " ، إلى قوله : " 
قلنا لهم كونوا قردة خاسئين  " ، قال 
ابن عباس   : كانوا أثلاثا : ثلث نهوا ، وثلث قالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " ، وثلث أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم . فأصبح الذين نهوا عن السوء ذات يوم في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم ، فعلوا على دورهم ، فجعلوا يقولون : إن للناس لشأنا ، فانظروا ما شأنهم ! فاطلعوا في دورهم ، فإذا القوم قد مسخوا في ديارهم قردة ، يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد ، ويعرفون المرأة بعينها وإنها لقردة ، قال الله : ( 
فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين  )  [ سورة البقرة : 66 ] . 
15279 - حدثنا 
ابن وكيع  قال ، حدثنا أبي ، عن 
أبي بكر الهذلي  ، عن 
عكرمة  ، عن 
ابن عباس   : " 
أنجينا الذين ينهون عن السوء  " الآية ، قال 
ابن عباس   : نجا الناهون ، وهلك الفاعلون ، ولا أدري ما صنع بالساكتين!  
[ ص: 195 ] 
15280 - حدثنا 
ابن عبد الأعلى  قال ، حدثنا 
محمد بن ثور  ، عن 
معمر  ، عن 
قتادة  ، عن 
ابن عباس   : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " ، قال : هم ثلاث فرق : الفرقة التي وعظت ، والموعوظة التي وعظت ، والله أعلم ما فعلت الفرقة الثالثة ، وهم الذين قالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " . 
وقال 
الكلبي   : هما فرقتان : الفرقة التي وعظت ، والتي قالت : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  " قال : هي الموعوظة . 
15281 - حدثنا 
ابن وكيع  قال ، حدثنا 
عمران بن عيينة  ، عن 
عطاء بن السائب  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس  قال : لأن أكون علمت من هؤلاء الذين قالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا  " ، أحب إلي مما عدل به! 
15282 - حدثنا 
ابن حميد  قال ، حدثنا 
جرير  ، عن 
عطاء  قال ، قال 
ابن عباس   : " 
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم  " ، قال : أسمع الله يقول : " 
أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس  " ، فليت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا : " 
لم تعظون قوما الله مهلكهم  "؟ 
15283 - حدثنا 
ابن حميد  قال ، حدثنا 
يعقوب  ، عن 
جعفر  ، عن 
ماهان الحنفي أبي صالح  في قوله : " 
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم  " ، قال : كانوا في المدينة التي على ساحل البحر ، وكانت الأيام ستة ، الأحد إلى الجمعة . فوضعت 
اليهود  يوم السبت ، وسبتوه على أنفسهم ، فسبته الله عليهم ، ولم يكن السبت قبل ذلك ، فوكده الله عليهم ، وابتلاهم فيه بالحيتان ، فجعلت تشرع يوم السبت ، فيتقون أن يصيبوا منها ، حتى قال رجل منهم : والله ما السبت بيوم وكده الله علينا ، ونحن وكدناه على أنفسنا ، فلو تناولت من هذا السمك ! فتناول حوتا من الحيتان ، فسمع بذلك جاره ، فخاف العقوبة ، فهرب من منزله . فلما مكث ما شاء الله ولم تصبه عقوبة ، تناول غيره أيضا في يوم  
[ ص: 196 ] السبت . فلما لم تصبهم العقوبة ، كثر من تناول في يوم السبت ، واتخذوا يوم السبت ، وليلة السبت عيدا يشربون فيه الخمور ، ويلعبون فيه بالمعازف . فقال لهم خيارهم وصلحاؤهم : ويحكم ، انتهوا عما تفعلون ، إن الله مهلككم أو معذبكم عذابا شديدا ، أفلا تعقلون؟ ولا تعدوا في السبت! فأبوا ، فقال خيارهم : نضرب بيننا وبينهم حائطا . ففعلوا ، وكان إذا كان ليلة السبت تأذوا بما يسمعون من أصواتهم وأصوات المعازف ، حتى إذا كانت الليلة التي مسخوا فيها ، سكنت أصواتهم أول الليل ، فقال خيارهم : ما شأن قومكم قد سكنت أصواتهم الليلة؟ فقال بعضهم : لعل الخمر غلبتهم فناموا! فلما أصبحوا ، لم يسمعوا لهم حسا ، فقال بعضهم لبعض : ما لنا لا نسمع من قومكم حسا؟ فقالوا لرجل : اصعد الحائط وانظر ما شأنهم . فصعد الحائط ، فرآهم يموج بعضهم في بعض ، قد مسخوا قردة ، فقال لقومه : تعالوا فانظروا إلى قومكم ما لقوا! فصعدوا ، فجعلوا ينظرون إلى الرجل فيتوسمون فيه ، فيقولون : أي فلان ، أنت فلان؟ فيومئ بيده إلى صدره أن نعم ، بما كسبت يداي  . 
15284 - حدثني 
يعقوب   nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع  قالا : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  ، عن 
أيوب  قال ، تلا 
الحسن  ذات يوم : " 
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون  " ، فقال : حوت حرمه الله عليهم في يوم ، وأحله لهم فيما سوى ذلك ، فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله عليهم كأنه المخاض .  
[ ص: 197 ] لا يمتنع من أحد . وقلما رأيت أحدا يكثر الاهتمام بالذنب إلا واقعه ، فجعلوا يهتمون ويمسكون ، حتى أخذوه ، فأكلوا أوخم أكلة أكلها قوم قط ، أبقاه خزيا في الدنيا ، وأشده عقوبة في الآخرة! وايم الله ، [ ما حوت أخذه قوم فأكلوه ، أعظم عند الله من قتل رجل مؤمن ] ! وللمؤمن أعظم حرمة عند الله من حوت ، ولكن الله جعل موعد قوم الساعة ( 
والساعة أدهى وأمر  ) ، [ سورة القمر : 46 ] . 
15285 - حدثني 
يونس  قال ، أخبرنا 
سفيان  ، عن 
أبي موسى  ، عن 
الحسن  قال : جاءتهم الحيتان تشرع في حياضهم كأنها المخاض ، فأكلوا والله أوخم أكلة أكلها قوم قط ، أسوأه عقوبة في الدنيا ، وأشده عذابا في الآخرة! 
وقال  
[ ص: 198 ] الحسن   : وقتل المؤمن والله أعظم من أكل الحيتان! 
15286 - حدثنا 
ابن حميد  قال ، حدثنا 
جرير  ، عن 
عطاء  قال : كنت جالسا في المسجد ، فإذا شيخ قد جاء وجلس الناس إليه ، فقالوا : هذا من أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود   ! قال : قال 
ابن مسعود   : " 
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر  " الآية ، قال : لما حرم عليهم السبت ، كانت الحيتان تأتي يوم السبت ، وتأمن فتجيء ، فلا يستطيعون أن يمسوها . وكان إذا ذهب السبت ذهبت ، فكانوا يتصيدون كما يتصيد الناس . فلما أرادوا أن يعدوا في السبت ، اصطادوا ، فنهاهم قوم من صالحيهم ، فأبوا ، وكثرهم الفجار ، فأراد الفجار قتالهم ، فكان فيهم من لا يشتهون قتاله ، أبو أحدهم وأخوه أو قريبه . فلما نهوهم وأبوا ، قال الصالحون : إذا نتهم! وإنا نجعل بيننا وبينهم حائطا! ففعلوا ، فلما فقدوا أصواتهم قالوا : لو نظرتم إلى إخوانكم ما فعلوا ! فنظروا ، فإذا هم قد مسخوا قردة ، يعرفون الكبير بكبره ، والصغير بصغره ، فجعلوا يبكون إليهم . وكان هذا بعد 
موسى  صلى الله عليه وسلم  .  
[ ص: 199 ]