صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولقد خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس .

يقال منه : ذرأ الله خلقه يذرؤهم ذرءا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 277 ]

15443 - حدثني علي بن الحسين الأزدي قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) قال : مما خلقنا .

15444 - . . . . حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن مبارك ، عن الحسن ، في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) قال : خلقنا .

15445 - . . . . قال : حدثنا زكريا ، عن عتاب بن بشير ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير قال : أولاد الزنا مما ذرأ الله لجهنم .

15446 - قال : حدثنا زكريا بن عدي ، وعثمان الأحول ، عن مروان بن معاوية ، عن الحسن بن عمرو ، عن معاوية بن إسحاق ، عن جليس له بالطائف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لما ذرأ لجهنم ما ذرأ ، كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم " .

15447 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : [ ص: 278 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) ، يقول : خلقنا .

15448 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) قال : لقد خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس .

15449 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( ولقد ذرأنا لجهنم ) ، خلقنا .

قال أبو جعفر : وقال جل ثناؤه : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) ، لنفاذ علمه فيهم بأنهم يصيرون إليها بكفرهم بربهم .

وأما قوله : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) ، فإن معناه : لهؤلاء الذين ذرأهم الله لجهنم من خلقه قلوب لا يتفكرون بها في آيات الله ، ولا يتدبرون بها أدلته على وحدانيته ، ولا يعتبرون بها حججه لرسله ، فيعلموا توحيد ربهم ، ويعرفوا حقيقة نبوة أنبيائهم . فوصفهم ربنا جل ثناؤه بأنهم : "لا يفقهون بها" ، لإعراضهم عن الحق وتركهم تدبر صحة [ نبوة ] الرسل ، وبطول الكفر . وكذلك قوله : ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) ، معناه : ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته ، فيتأملوها ويتفكروا فيها ، فيعلموا بها صحة ما تدعوهم إليه رسلهم ، وفساد ما هم عليه مقيمون ، من الشرك بالله ، وتكذيب رسله; فوصفهم الله بتركهم إعمالها في الحق ، بأنهم لا يبصرون بها .

وكذلك قوله : ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) ، آيات كتاب الله ، فيعتبروها ويتفكروا فيها ، ولكنهم يعرضون عنها ، ويقولون : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [ ص: 279 ] ) ، [ سورة فصلت : 26 ] . وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله : ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) ، [ سورة البقرة : 171 ] . والعرب تقول ذلك للتارك استعمال بعض جوارحه فيما يصلح له ، ومنه قول مسكين الدارمي :


أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الستر     وأصم عما كان بينهما
سمعي وما بالسمع من وقر



فوصف نفسه لتركه النظر والاستماع بالعمى والصمم . ومنه قول الآخر :

وعوراء اللئام صممت عنها     وإني لو أشاء بها سميع
وبادرة وزعت النفس عنها     وقد تئقت من الغضب الضلوع

[ ص: 280 ]

وذلك كثير في كلام العرب وأشعارها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15450 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) قال : لا يفقهون بها شيئا من أمر الآخرة ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) ، الهدى ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الحق ، ثم جعلهم كالأنعام سواء ، ثم جعلهم شرا من الأنعام ، فقال : ( بل هم أضل ) ، ثم أخبر أنهم هم الغافلون .

التالي السابق


الخدمات العلمية