صفحة جزء
[ ص: 358 ] [ ص: 359 ] [ ص: 360 ] [ ص: 361 ] ( القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الأنفال ) ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ( رب يسر ) القول في تأويل قوله ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الأنفال " التي ذكرها الله في هذا الموضع .

فقال بعضهم : هي الغنائم ، وقالوا : معنى الكلام : يسألك أصحابك ، يا محمد ، عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر ، لمن هي ؟ فقل : هي لله ولرسوله .

ذكر من قال ذلك :

15628 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا وكيع قال ، حدثنا سويد بن عمرو ، عن حماد بن زيد ، عن عكرمة ، " يسألونك عن الأنفال " ، قال : " الأنفال " ، الغنائم .

15629 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : " الأنفال " ، الغنائم .

15630 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن مجاهد قال : " الأنفال " ، المغنم . [ ص: 362 ]

15631 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : الغنائم .

15632 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " الأنفال " ، قال : يعني الغنائم .

15633 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : " الأنفال " ، الغنائم .

15634 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يسألونك عن الأنفال " ، " الأنفال " ، الغنائم .

15635 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : " الأنفال " ، الغنائم .

15636 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " الأنفال " ، الغنائم .

15637 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : الغنائم . [ ص: 363 ]

وقال آخرون : هي أنفال السرايا .

ذكر من قال ذلك :

15638 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا علي بن صالح بن حي قال ، بلغني في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : السرايا .

وقال آخرون : " الأنفال " ، ما شذ من المشركين إلى المسلمين ، من عبد أو دابة ، وما أشبه ذلك .

ذكر من قال ذلك :

15639 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، قال : هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال ، دابة أو عبد أو متاع ، ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء .

15640 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : هي ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال ، من عبد أو أمة أو متاع أو ثقل ، فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء .

15641 - . . . . قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري : أن ابن عباس سئل عن : " الأنفال " ، فقال : السلب والفرس .

15642 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ويقال " الأنفال " ، ما أخذ مما سقط من المتاع بعد ما تقسم الغنائم ، فهي نفل لله ولرسوله .

15643 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، أخبرني عثمان بن أبي سليمان ، عن محمد بن شهاب : أن رجلا قال لابن عباس : ما " الأنفال " ؟ قال : الفرس والدرع والرمح . [ ص: 364 ]

15644 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، قال ابن جريج ، قال عطاء : " الأنفال : ، الفرس الشاذ والدرع والثوب .

15645 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن عباس قال : كان ينفل الرجل سلب الرجل وفرسه .

15646 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن القاسم بن محمد قال : سمعت رجلا سأل ابن عباس عن " الأنفال " ، فقال ابن عباس : الفرس من النفل ، والسلب من النفل . ثم عاد لمسألته ، فقال ابن عباس ذلك أيضا . ثم قال الرجل : " الأنفال " ، التي قال الله في كتابه ، ما هي ؟ قال القاسم : فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه ، فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ، مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟

15647 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن القاسم بن محمد قال ، قال ابن عباس : كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال : " لا آمرك ولا أنهاك " . ثم قال ابن عباس : والله ما بعث الله نبيه عليه السلام إلا زاجرا آمرا ، محللا محرما قال القاسم : فسلط على ابن عباس رجل يسأله عن : " الأنفال " ، فقال ابن عباس : كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلاحه . فأعاد عليه الرجل ، فقال له مثل ذلك ، ثم أعاد عليه حتى أغضبه ، فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ، مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه ؟ فقال الرجل : أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك . [ ص: 365 ]

15647 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن عبد الملك ، عن عطاء : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال ، من دابة أو [ عبد ] ، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : " النفل " ، الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس .

ذكر من قال ذلك :

15648 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : هو الخمس . قال المهاجرون : لم يرفع عنا هذا الخمس ، لم يخرج منا ؟ فقال الله : هو لله والرسول .

15649 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن الحجاج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس ، فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى : " الأنفال " ، قول من قال : هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم ، إما من سهمه على حقوقهم من القسمة ، وإما مما وصل إليه بالنفل ، أو ببعض أسبابه ، ترغيبا [ ص: 366 ] له ، وتحريضا لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين ، أو صلاح أحد الفريقين . وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك ، ويدخل فيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس ، لأن ذلك أمره إلى الإمام ، إذا لم يكن ما وصلوا إليه بغلبة وقهر ، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام ، وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر .

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب ، لأن " النفل " في كلام العرب ، إنما هو الزيادة على الشيء ، يقال منه : " نفلتك كذا " ، و" أنفلتك " ، إذا زدتك .

و" الأنفال " ، جمع " نفل " ، ومنه قول لبيد بن ربيعة :


إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل

فإذ كان معناه ما ذكرنا ، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان ذلك لبلاء أبلاه ، أو لغناء كان منه عن المسلمين بتنفيل الوالي ذلك إياه ، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل ، فهو منفل ما زيد من ذلك ، لأن الزيادة نفل ، [ والنفل ] ، وإن كان مستوجبه في بعض الأحوال لحق ، ليس هو من الغنيمة التي تقع فيها القسمة . وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة ، فهو " نفل " ، لأنه وإن كان مغلوبا عليه ، فليس مما وقعت عليه القسمة .

[ ص: 367 ] فالفصل إذ كان الأمر على ما وصفنا بين " الغنيمة " و" النفل " ، أن " الغنيمة " هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر ، نفل منه منفل أو لم ينفل ، و" النفل " : هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة .

وإذ كان ذلك معنى " النفل " ، فتأويل الكلام : يسألك أصحابك ، يا محمد ، عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر ، لمن هو ؟ قل لهم يا محمد : هو لله ولرسوله دونكم ، يجعله حيث شاء .

واختلف في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية .

فقال بعضهم : نزلت في غنائم بدر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفل أقواما على بلاء ، فأبلى أقوام ، وتخلف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب ، فأنزل الله هذه الآية على رسوله ، يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فماض جائز .

ذكر من قال ذلك :

15650 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا معتمر بن سليمان قال ، سمعت داود بن أبي هند يحدث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى مكان كذا وكذا ، فله كذا وكذا ، أو فعل كذا وكذا ، فله كذا وكذا " ، فتسارع إليه الشبان ، وبقي الشيوخ عند الرايات ، فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم الأشياخ : لا تذهبوا به دوننا ! فأنزل الله عليه الآية " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " . [ ص: 368 ]

15651 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا وكذا ، فله كذا وكذا " ، قال : فتسارع في ذلك شبان الرجال ، وبقيت الشيوخ تحت الرايات . فلما كان الغنائم ، جاءوا يطلبون الذي جعل لهم ، فقالت الشيوخ : لا تستأثروا علينا ، فإنا كنا ردءا لكم ، وكنا تحت الرايات ، ولو انكشفتم انكشفتم إلينا ! فتنازعوا ، فأنزل الله : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " .

15652 - حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فعل كذا فله كذا وكذا من النفل " . قال : فتقدم الفتيان ، ولزم المشيخة الرايات ، فلم يبرحوا . فلما فتح عليهم ، قالت المشيخة : كنا ردءا لكم ، فلو انهزمتم انحزتم إلينا ، لا تذهبوا بالمغنم دوننا ! فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ! فأنزل الله : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم [ ص: 369 ] " . قال : فكان ذلك خيرا لهم ، وكذلك أيضا أطيعوني فإني أعلم .

15653 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة في هذه الآية : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، قال : لما كان يوم بدر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا فله من النفل كذا " ! فخرج شبان من الرجال ، فجعلوا يصنعونه ، فلما كان عند القسمة ، قال الشيوخ : نحن أصحاب الرايات ، وقد كنا ردءا لكم ! فأنزل الله في ذلك : " قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " .

15654 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب الزهري قال ، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول مولى هذيل ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن الصامت قال ، أنزل الله حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدر : " يسألونك عن الأنفال " إلى قوله : " إن كنتم مؤمنين " ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، عن بواء . [ ص: 370 ]

15655 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد قال ، حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا ، عن سليمان بن موسى الأشدق ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن " الأنفال " ، فقال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، [ ص: 371 ] فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء يقول : على السواء فكان في ذلك تقوى الله ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وصلاح ذات البين .

وقال آخرون : بل إنما أنزلت هذه الآية ، لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله من المغنم شيئا قبل قسمتها ، فلم يعطه إياه ، إذ كان شركا بين الجيش ، فجعل الله جميع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 372 ]

15656 - حدثني إسماعيل بن موسى السدي قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن عاصم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت : يا رسول الله ، هذا السيف قد شفى الله به من المشركين ! فسألته إياه ، فقال : ليس هذا لي ولا لك ! قال : فلما وليت ، قلت : أخاف أن يعطيه من لم يبل بلائي ! فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي ، قال فقلت : أخاف أن يكون نزل في شيء ! قال : إن السيف قد صار لي ! قال : فأعطانيه ، ونزلت : " يسألونك عن الأنفال " .

15657 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو بكر قال ، حدثنا عاصم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن مالك قال : لما كان يوم بدر جئت بسيف . قال : فقلت : يا رسول الله ، إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا فهب لي هذا السيف ! فقال لي : هذا ليس لي ولا لك ! فرجعت فقلت : عسى أن يعطي هذا من لم يبل بلائي ! فجاءني الرسول ، فقلت : حدث في حدث ! فلما انتهيت قال : يا سعد إنك ، سألتني السيف وليس لي ، وإنه قد صار لي ، فهو لك ! ونزلت : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " . [ ص: 373 ]

15658 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : أصبت سيفا يوم بدر فأعجبني ، فقلت : يا رسول الله ، هبه لي ! فأنزل الله : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " .

15659 - حدثنا ابن المثنى وابن وكيع قال ابن المثنى : حدثني أبو معاوية وقال ابن وكيع : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الشيباني ، عن محمد بن عبيد الله ، عن سعد بن أبي وقاص قال : فلما كان يوم بدر ، قتل أخي عمير ، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه ، وكان يسمى " ذا الكتيفة " ، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهب فاطرحه في القبض ! فطرحته ورجعت ، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي ، وأخذ سلبي ! قال : فما جاوزت إلا قريبا ، حتى نزلت عليه " سورة الأنفال " ، فقال : اذهب فخذ سيفك ! ولفظ الحديث لابن المثنى . [ ص: 374 ]

15660 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير ، وحدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة جميعا ، عن محمد بن إسحاق قال ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن قيس بن ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة يقول : أصبت سيف ابن عائد يوم بدر ، وكان السيف يدعى " المرزبان " ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم من النفل ، أقبلت به فألقيته في النفل ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا يسأله ، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه إياه . [ ص: 375 ]

- 15661 - حدثني يحيى بن جعفر قال ، حدثنا أحمد بن أبي بكر ، عن يحيى بن عمران ، عن جده عثمان بن الأرقم وعن عمه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : ردوا ما كان من الأنفال ! فوضع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ " المرزبان " ، فعرفه الأرقم فقال : هبه لي ، يا رسول الله ! قال : فأعطاه إياه . [ ص: 376 ]

15662 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : أصبت سيفا قال : فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، نفلنيه ! فقال : ضعه ! ثم قام فقال : يا رسول الله ، نفلنيه ! قال : ضعه ! قال : ثم قام فقال : يا رسول ، الله نفلنيه ! أجعل كمن لا غناء له ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ضعه من حيث أخذته ! فنزلت هذه الآية : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول .

15663 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : أخذت سيفا من المغنم فقلت : يا رسول الله ، هب لي هذا ! فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " .

15664 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : قال سعد : كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية ، فأتيت رسول الله [ ص: 377 ] صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أعطني هذا السيف يا رسول الله ! فسكت ، فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " ، إلى قوله : " إن كنتم مؤمنين " ، قال : فأعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : بل نزلت : لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر ، فأعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ، ليس لهم فيه شيء . وقالوا : معنى " عن " في هذا الموضع " من " ، وإنما معنى الكلام : يسألونك من الأنفال . وقالوا : قد كان ابن مسعود يقرؤه : " يسألونك الأنفال " على هذا التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 378 ]

15665 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرأونها : " يسألونك الأنفال " .

15666 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : هي في قراءة ابن مسعود " يسألونك الأنفال " .

ذكر من قال ذلك :

15667 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، قال : " الأنفال " ، المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، ليس لأحد منها شيء ، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول . فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها ، قال الله : يسألونك عن الأنفال ، قل : الأنفال لي جعلتها لرسولي ، ليس لكم فيها شيء " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ، ثم أنزل الله : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) [ سورة الأنفال : 41 ] . ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولمن سمي في الآية .

15668 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا . قال : واختلفوا ، فكانوا أثلاثا . قال : فنزلت : " يسألونك [ ص: 379 ] عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، وملكه الله رسوله ، يقسمه كما أراه الله .

15669 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن الحجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر ، فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " .

15670 - . . . . قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن جويبر ، عن الضحاك : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : يسألونك أن تنفلهم .

15671 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا أيوب ، عن عكرمة في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : يسألونك الأنفال .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أخبر في هذه الآية عن قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن يعطيهموها ، فأخبرهم الله أنها لله ، وأنه جعلها لرسوله .

وإذا كان ذلك معناه ، جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله [ ص: 380 ] السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش .

واختلفوا فيها : أمنسوخة هي أم غير منسوخة ؟

فقال بعضهم : هي منسوخة . وقالوا : نسخها قوله : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) الآية [ سورة الأنفال : 41 ] ، .

ذكر من قال ذلك :

15672 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله وللرسول ، فنسختها : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول )

15673 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر سيفا ، فاختصم فيه وناس معه ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، فقال الله : " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ، الآية ، فكانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فنسخها الله بالخمس .

15674 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني سليم مولى أم محمد ، عن مجاهد في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، قال : نسختها : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) . [ ص: 381 ]

15675 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة أو : عكرمة وعامر قالا نسخت الأنفال : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) .

وقال آخرون : هي محكمة ، وليست منسوخة . وإنما معنى ذلك : " قل الأنفال لله " ، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة وللرسول ، يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيه .

ذكر من قال ذلك :

15676 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " يسألونك عن الأنفال " ، فقرأ حتى بلغ : " إن كنتم مؤمنين " ، فسلموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا ، ويضعانها حيث أرادا ، فقالوا : نعم ! ثم جاء بعد الأربعين : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) الآية [ سورة الأنفال : 41 ] ، ولكم أربعة أخماس . وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : " وهذا الخمس مردود على فقرائكم " ، يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبا ، ويضعانه حيث أحبا ، ثم أخبرنا الله بالذي يجب من ذلك . ثم قرأ الآية : ( ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [ سورة الحشر : 7 ] .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ينفل من شاء ، فنفل القاتل السلب ، وجعل للجيش في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس . ونفل [ ص: 382 ] قوما بعد سهمانهم بعيرا بعيرا في بعض المغازي . فجعل الله تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، ينفل على ما يرى مما فيه صلاح المسلمين ، وعلى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته في ذلك .

وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ ، لاحتمالها ما ذكرت من المعنى الذي وصفت . وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، فقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه ، ينفيه من كل معانيه ، أو يأتي خبر يوجب الحجة أن أحدهما ناسخ الآخر .

وقد ذكر عن سعيد بن المسيب : أنه كان ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تأويلا منه لقول الله تعالى : " قل الأنفال لله والرسول " .

15677 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو قال : أرسل سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء ، فقال : إنكم أرسلتم إلي تسألوني عن الأنفال ، فلا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد بينا أن للأئمة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم بفعله ، فينفلوا على نحو ما كان ينفل ، إذا كان التنفيل صلاحا للمسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية